شهدت أسواق المال التركية بلبلة بهبوط البورصة والعملة الوطنية غداة انتخابات اشتراعية شكلت نكسة كبيرة لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم الذي خسر الغالبية. ودعا الرئيس رجب طيب أردوغان، المنتمي إلى الحزب الإسلامي المحافظ، الأحزاب السياسية إلى التصرف «بمسؤولية للحفاظ على مناخ الاستقرار والثقة إلى جانب مكتسباتنا الديموقراطية»، مضيفاً أن «النتائج الحالية لا تسمح بتشكيل أي حزب حكومة بمفرده لذا لا بد من حكومة ائتلافية». وبموجب الدستور، سيكون أمام الحزب 45 يوماً لتشكيل حكومة. وكان لافتاً تأكيد نعمان كورتولموش نائب رئيس الوزراء قدرة زعيم حزب «العدالة والتنمية» رئيس الوزراء المنتهية ولايته احمد داود أوغلو على تشكيل حكومة ائتلافية «خلال الوقت المحدد»، مستدركاً أن «هذا الأمر غير ممكن بلا الحزب، وان احتمال إجراء انتخابات مبكرة يظل مطروحاً إذا فشل الحزب في ذلك». لكن صلاح الدين دمرتاش، زعيم حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، استبعد التحالف مع «العدالة والتنمية»، مؤكداً أن نتائج الانتخابات البرلمانية «أنهت النقاش حول نظام رئاسي وديكتاتورية في تركيا». كذلك استبعد دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية اليميني الانضمام إلى حكومة ائتلافية مع حزب «العدالة والتنمية»، وقال: «الاحتمال الأول بالنسبة إلى تشكيل ائتلاف يشمل العدالة والتنمية وحزب الشعوب الديمقراطي (المؤيد للأكراد)، والثاني يشمل العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديموقراطي. وإذا فشل السيناريوان يجب حينها تنظيم انتخابات مبكرة». وفيما لا يستبعد محللون أن تكون نتائج الانتخابات الاشتراعية بداية مرحلة من انعدام الاستقرار، هبطت بورصة إسطنبول بنسبة 8 في المئة لدى افتتاحها صباح امس، والليرة التركية إلى مستوى تدنٍ قياسي إزاء الدولار واليورو بخسارتها نحو 4 في المئة من قيمتها أمام العملتين. وتدخل البنك المركزي سريعاً حيال هذا الانهيار، معلناً خفض نسب الفوائد على الودائع القصيرة الأمد بالعملات الأجنبية. وتصدر حزب «العدالة والتنمية»، الحاكم منذ 13 سنة في تركيا، نتائج الانتخابات الاشتراعية بنيله 40,8 في المئة من الأصوات، لكنه خسر الغالبية المطلقة في البرلمان بكسبه 258 من أصل 550 مقعداً. وحل حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي - ديموقراطي) ثانياً بـ 25 في المئة من الأصوات و135 مقعداً، فيما نال حزب العمل القومي (يمين) 16,3 في المئة واصبح يشغل 80 مقعداً، أما حزب الشعب الديموقراطي (المؤيد للأكراد) فنال 13,1 في المئة من الأصوات و80 مقعداً. وعقدت الحكومة اجتماعاً طارئاً غداة الانتخابات. وحاول رئيسها داود أوغلو مواجهة النتائج بشجاعة، إذ توجه إلى مؤيديه من على شرفة مقر الحزب في انقرة، قائلاً: «يجب على الجميع أن يفهم ان حزب العدالة والتنمية هو الفائز، وانه زعيم هذه الانتخابات. يجب ألا يحاول أحد بناء انتصار من انتخابات خسرها». أما كورتولموش، نائب رئيس الوزراء: «من المهم أن الديموقراطية تعززت في إطار نظام متعدد الأحزاب بطريقة أو بأخرى في السنوات الخمس الأخيرة». وضمن ردود الفعل الشعبية، قال حسين درماز: «كانت ليلة مهرجان لم نعد نثق بحزب العدالة والتنمية». أما سيران ديمير (47 سنة)، وهي ربة منزل كانت ضمن المحتشدين حول مقر حزب الشعب الجمهوري «تظهر تلك النتائج أن هذا البلد فاض به الكيل. كفى من اردوغان وغضبه». واتفقت المعارضة والصحف غير المؤيدة للحكومة على ان البلاد تواجه فترة من الغموض السياسي لأسابيع، اضافة الى امكان تنظيم انتخابات مبكرة. وعنونت صحيفة «ميلييت»: «عهد جديد»، وصحيفة سوزجو المناهضة لأردوغان: «الانهيار»، وكتبت ان «الناخبين رفعوا البطاقة الحمراء في وجه اردوغان». اما صحيفة «يني شفق» (فجر جديد) المؤيدة للحكومة فاعتبرت ان اجراء انتخابات مبكرة هو الخيار الأكثر احتمالاً. وكتب معلقها عبد القادر شلوي: «دخلنا مرحلة صعبة على صعيد التوازن السياسي»، محذراً من «الانزلاق في الفوضى»، على غرار ما حصل في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين. ورأى محللون ان النتيجة ابرزت خصوصاً الاختراق الذي حققه حزب الشعوب الديموقراطية الذي سعى خلال الحملة الى البروز بمظهر حزب تركي فعلي، وتوجه الى ناخبين خارج قاعدته الكردية التقليدية وبينهم علمانيون ونساء ومثليون. كما مثلت الانتخابات محطة انتصار لزعيم الحزب صلاح الدين دمرتاش الذي يصفه المقربون منه بأنه «اوباما تركيا» بسبب براعته الخطابية. وهو قال: «نحن شعب (الأكراد) يعاني من القمع في تركيا، ويريد العدالة والسلام والحرية. لقد حققنا انتصاراً كبيراً اليوم، ونتعهد تشكيل معارضة قوية وصادقة». وقال ايلكر سورغون (27 سنة)، الناخب من انقرة: «لست من اصل كردي، لكنني قررت التصويت لحزب الشعب الديموقراطي كي يحصل حزب العدالة والتنمية على عدد اقل من المقاعد». وكان نواب حزب الشعوب الديموقراطية شاركوا في البرلمان السابق، لكن بعد انتخابهم مستقلين وليس على لائحة حزبية. وعلق حسن جمال، المؤيد للمعارضة، في مقال نشره موقع «تي 24»: «هناك خاسر واحد في الانتخابات هو اردوغان، والفائز هو حزب الشعوب الديموقراطي». وفي دياربكر ذات الغالبية الكردية، تجمعت سيارات في الشوارع واطلق السائقون أبواقها، بينما رفع الناس شارات النصر من النوافذ وسط طلقات نارية في الهواء احتفالاً. وأجريت الانتخابات الاشتراعية بعد يومين على هجوم دامٍ استهدف تجمعاً لحزب الشعوب الديموقراطية، وخلّف قتيلين وعشرات الجرحى في ديار بكر.
مشاركة :