الرحالة الأوروبيون يؤرخون للحملات الصليبية

  • 3/16/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ترجع أهمية كتاب د. محمد مؤنس أحمد عوض «الرحالة الأوروبيون في مملكة بيت المقدس الصليبية»، إلى وضعية أولئك الرحالة أنفسهم، فقد زاروا المنطقة خلال مرحلة الصراع الإسلامي- الصليبي، وسجلوا كل ما شاهدوه من أوضاع سواء على المستويات السياسية أو الاقتصادية أو الدينية، وفضلاً عن ذلك فإنهم أحياناً كانوا شهود عيان لأحداث سياسية مهمة، جرت في المنطقة في خضم ذلك الصراع، ومن الممكن رصد تاريخ مملكة بيت المقدس الصليبية من خلال مؤلفات أولئك الرحالة، مع عدم إغفال أهمية المصادر التاريخية الأخرى بطبيعة الحال. جاءت اهتمامات أولئك الرحالة مختلفة عن اهتمامات المؤرخين الرسميين؛ إذ إن المؤرخ الصليبي وليم الصوري كتب تاريخه من خلال الاهتمام بالجانبين السياسي والحربي، ولم تحظ الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والدينية بنفس الاهتمام من جانبه، ولذلك فإن مؤلفات الرحالة الأوروبيين، سواء كانوا من المسيحيين أم اليهود، الذين زاروا المنطقة حينذاك، تقدم لنا مادة تاريخية مهمة عن تلك الجوانب التي قل تناولها. مع ذلك فهم لم يكونوا مؤرخين محترفين، ومن ثم لا تجدهم في بعض الأحيان يدعمون رواياتهم بالأسانيد والبراهين الدالة على صدقها، وأحياناً أخرى يأخذون ما سمعوه من أفواه معاصريهم، واقعة واجبة التصديق، غير أن هذا النقص يمكن تداركه من خلال مقارنة المصادر التاريخية والاقتراب من الحقيقة قدر الإمكان. من ناحية أخرى، نجد أن أولئك الرحالة لم ينفصلوا عن عصرهم؛ بل كانوا إفرازاً صادقاً لذلك العصر، والعصور الوسطى بصفة عامة توصف بأنها عصور الإيمان سواء في الشرق الإسلامي أو الغرب المسيحي، وقد سيطرت الناحية الدينية على عقول الناس، خلال تلك المرحلة، ويصدق ذلك بوضوح على الرحالة الأوروبيين الذين زاروا مملكة بيت المقدس الصليبية؛ إذ إنهم اهتموا اهتماماً خاصاً بالناحية الدينية من ذكر الكنائس والأديرة والمزارات المقدسة، وإيراد العديد من معجزات السيد المسيح، والحواريين والقديسين، فضلاً عن العديد من الأساطير. تعليل اتساع مساحة الجانب الديني في رحلاتهم لا يعود فقط إلى طبيعة العصر؛ بل أيضاً إلى أنهم كتبوا تلك الرحلات في الأصل، لكي تكون دليلاً مرشداً لغيرهم من الحجاج، الذين يقدمون إلى تلك المنطقة، حتى يتعرفوا إلى الأماكن المتصلة بذكريات المسيحية في عهدها المبكر في فلسطين، وهي التي كانت الشغل الشاغل لهم. أولئك الرحالة عاشوا في عصر الحروب الصليبية، خاصة خلال القرن الثاني عشر، بما احتواه من صور التعصب الواضح من جانب الصليبيين ضد كل ما هو غير مسيحي، ومن ثم احتوت رحلاتهم على إشارات متحاملة تجاه المسلمين واتهموهم بأنهم وراء كل خراب حل بفلسطين، خلال المرحلة التي سبقت خضوعهم للسيادة السياسية الصليبية، من خلال إقامة مملكة بيت المقدس الصليبية هناك، ومن ثم تطلب الأمر الحيطة والحذر في معالجة مثل تلك الروايات وعدم الأخذ بها كحقيقة تاريخية واقعية.

مشاركة :