نظرات في مكانة المرأة في المجتمعات العربية

  • 3/16/2020
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كعادتنا التي لا تعني شيئا ولا تغيِّر شيئا في عالمٍ غرز أوتاده في أرض الزمن القديم وثقافة الماضي، نكتب كلَّ عامٍ عن المرأة مجاملةً كما يفعل بعضُ المسؤولين في احتفالاتهم بيوم المرأة العالمي، يتحدث بعضهم عن أهمية دور المرأة والمساواة ثم يحتكرون مناصب المؤسسات ويختار بعضهم امرأة واحدة على سبيل الديكور أو الادعاء لا أكثر.لن نعود إلى زمن بلقيس وزنوبيا وكليوباترا وشجرة الدر، حيث النساء اللواتي حفر تاريخُ الشرق أسماءهن كبطلات في المعارك وفي القيادة وفي الحكمة، إذ قدن الرجال نحو انتصارات خلدها التاريخ، بل عن الحاضر الذي أطاح بالمرأة في مجتمعات الشرق لكن الغرب الذي بات يقدم نماذج بلقيس الحديثة وكليوباترا على شكل رئيسة وزراء يكفي نموذج أنجيلا ميركل في ألمانيا لتصيب ثقافتنا بصدمة الراهن ببدائية أصبحت مدعاة للسخرية أمام الأمم، تلك المرأة التي تقود أعظم دولة صناعية في أوروبا وتستقبل لاجئي الشرق، ليس فقط لمنظومة قيمها حضارية، بل لأنها تمكَّنت من إيجاد عشرات الآلاف ليملأوا شواغر للوظائف في بلدها حين انغلقت أمامهم دول الرجال الذين أشبعونا كلاما عن الشرق والرجولة والكرم.لقد سقطت كل أساطير الخرافات العربية حول مكانة المرأة أمام سيف العلم والنهضة والحداثة ومسار التاريخ الصاعد إلا لدى الشعوب التي تستأنس السكن في الماضي بفخر شديد. وبعد التجربة أثناء الحرب العالمية الثانية حين ذهب الرجال إلى الحرب نزلت المرأة إلى ميدان العمل للمناجم والمصانع والمؤسسات، فإذ بها مؤهلة تماما، وهو ما لم نكتشفه بعد ولا نريد أن نجرب أصلا.«المرأة نصف المجتمع» هذا كلام يردده الجميع ولكن البعض يتعامل معها كنصف فارغ ومفرغ من كل شيء بما فيه العقل والفعل، وهذه ثقافة تعززت عبر مئات السنين، وأصبحت جزءا من منظومة القيم إلى الدرجة التي أفقدت المرأة ثقتها بنفسها، وباتت تتحرك أو تعمل في إطار الهامش الضيق الذي حددته مصلحة الرجل الذي أعطى لنفسه حق استغلال الدين مفسرا نصوصه وفق مصالحه.ذات مرة دُعيت إلى إلقاء كلمة في إحدى اللقاءات النسوية، وقبلي كانت قد ألقت كلمتها واحدة من قيادات الحركة النسائية، دهشتُ وأنا أستمع إليها وهي تتحدث عن دور المرأة كأخت الشهيد وأم الأسير وزوجة البطل. قلت يومها تعليقا: «لماذا تصر المرأة حتى القيادية منها حين تتحدث عن المرأة أن تربط دورها بالرجل لتأخذ مكانتها؟ أينبغي أن نلحقها برجل حتى يكون لها دور؟ لماذا ليس هناك المرأة العالمة والمرأة البطلة والمرأة القائد، وتلك وحدها تستدعي التفكير بثقافة مجتمع أقنع المرأة نفسها بأن دورها ينحصر خلف الرجل.مكانة المرأة ليست وليدة اللحظة ولا يمكن تصويبها بجرة قلم أو خطبة مسؤول، فتلك ثقافة متوارثة وهي ليست حالة خاصة، بل جزء من منظومة متأخرة تتكامل فيها جزيئات المجتمع وبنيته وفقا لهرم بورخوف. فلا يمكن لمجتمع تسلطي أن يحترم المرأة، ولا يمكن أن تكون مكانة المرأة متدنية ووضع الصحة متقدما، فكل الأشياء تتشابه: مستويات التعليم والصحة والقضاء وكذلك تراجع مكانة المرأة، تلك هي المجتمعات وفقا لتفسير بورخوف، وهذا دقيق إلى حد كبير. إن المرأة التي صفعتنا بنقيضها تاتشر وميركل وكل النساء في المجتمعات المتقدمة وأبقتنا نردد مقولات لم نعد حتى نصدقها نحن، ولكن نخشى انهيار منظومة تقاليد لنحافظ على توازن وإن كان يتبع ثقافة الماضي.نحن بحاجة إلى إعادة صياغة عقدنا الاجتماعي ككل. فمن الخطأ نقاش مكانة المرأة بمعزل عن واقع يشبهها ولا يمكن له إلا أن ينتج تلك المكانة، وليس من الصدفة أن تفشل بعض المؤسسات النسوية في تحقيق تقدم يذكر للمرأة وسط هذا الواقع، لا يعني ذلك الكف عن العمل، ولكن ذلك يتطلب على الأقل أن تثق المرأة بنفسها كقائد وحيوي وفاعل في المجتمع يمكنه أن يقوم بكل المهمات من ضمنها المهمات الفكرية والعقلية، لا أن تربط قيمتها بالرجل، فذلك انسجام مع استلاب المرأة لدورها لا للبحث عن مكانتها.إن المجتمعات العربية بحاجة إلى وقفة أكبر أمام ذاتها ومكانتها، فهناك أمور لا تسر سوى من يريدون الحفاظ على تراجع مكانة هذه المنطقة التي كانت يوما رائدة النتاجات الحضارية، قبل أن تتوقف منذ حقب طويلة تاركةً العالم يركض إلى الأمام في حين بقيت أمتنا في مكانة لا تليق بها بين الأمم.‭{‬ كاتب من فلسطين

مشاركة :