في سعينا لاستنطاق ذاكرة ضيوفنا من خلال هذه الحوارات لم نغفل، أن الإبداع متعدد ومتنوع وليس محصوراً في مجال واحد أو مرحلة عمرية معينة، لذا جاءت جولاتنا في ساحات الابداع الثقافية والأدبية والفكرية والفنون بأنواعها، يجمعها خيط دقيق يُرى بعين بصيرة وفكر واعٍ وفي هذا الحوار نجول في ساحة الاعلامية المغربية اعتماد سلام التي برزت مواهبها عبر برامجها الحوارية الثقافية وتقديم نشرات الاخبار كبرنامجها «نجا مغربيات» كما عرفت من خلال مقالاتها وكتاباتها الثقافية حتى اختير برنامجها حول « فن الحلقة « ضمن ثلاثة أعمال مرشحة للفوز بجائرة الصحافة العربية في المجال الثقافي، تقول عن نفسها: انا كبقية النساء اللاتي يتأملن في مستقبل المرأة ومازلت أحمل أسئلة أبحث لها عن جواب مثل: ما الذي يجعل واقع المرأة كما هو ولماذا لم تواجه المرأة في عالم العربي الواقع الذكوري الذي يغيبهن، رغم تكريم الاسلام لها؟ فإلى الحوار. * ما الكتاب الذي أحدث تأثيرا فيك بعد قراءته. وما نوع التأثير؟ - كم هو محير هذا السؤال. فما أكثر الكتب المؤثرة وإن اختلف مقدار تأثيرها. ولكن بما أني واحدة من النساء اللواتي تأملن في مستقبل أفضل للمرأة باهتمام كبير مسار القضايا النسائية فإني سأعتبر كتاب الجنس الآخر للكاتبة والفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار، من بين أكثر الكتب تأثيرا في فيما يخص هذا الجانب. ففيه قدمت سيمون تحليلا عميقا ومفصلا لما تعيشه المرأة من اضطهاد وسوء معاملة بسبب جنسها وطرحت في كتابها أسئلة جوهرية مازالت النساء تبحث عن إجابات لها حتى يومنا هذا خصوصا في عالمنا العربي من قبيل: ما الذي يجعل واقع المرأة كما هو؟ ولماذا لم تواجه النساء الواقع الذكوري الذي يغيبهن؟. هذا النص شكل خارطة طريق للحركات النسائية لاحقا رغم وضعه في البداية من طرف العديدين على قائمة الكتب الممنوعة والمحرمة. وإن انطلقت سيمون في تحليلها من واقع المرأة الفرنسية أو الأوروبية عموما وبغض النظر عن الخلفيات التي أثثت واقع المرأة الغربية منذ حوالي سبعين سنة وواقع المرأة العربية اليوم إلا أن هذا الكتاب يقدم نظرة شمولية لأسباب هذه الإشكالية الأزلية التي تبقى موجودة رغم أن المرأة استطاعت أن لا تكون مجرد آخر كما تستمر النظرة الدونية لها في كثير من المجتمعات العربية رغم تكريم الإسلام لها. وعليه فإن المشكلة في المجتمع في حد ذاته وليس في المرأة. وأعتقد أن أكبر تأثير يمكن أن يحدثه هذا الكتاب هو أن يخلق هذه القناعة ويرسخها لدى الجنسين معا وليس لدى المرأة فقط. وفيما يتعلق بجوانب أخرى, أعتقد أن الكتب التي قرأتها في وقت مبكر بشكل عام لعبت دورا كبيرا في تشكيل وعيي وفي انفتاحي على عوالم كثيرة, وبالإضافة إلى الاستعانة بخزانة المدرسة فإن والدي كان حريصا على أن يشتري لي ولأختي ما نريده من كتب وقصص وروايات, كما كنت وهي نجمع مصروفنا اليومي لنشتري به كتبا بأنفسنا فاستطعنا في فترة وجيزة تكوين مكتبة تشتمل على روائع الكتب والقصص ابتداء بقصص الأطفال وقصص محمد عطية الإبراشي الكاملة وقصص المكتبة الخضراء, وصولا إلى الأعمال الكاملة لمصطفى لطفي المنفلوطي ويوسف السباعي وسلسلة روايات جورجي زيدان, وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ الذي أتذكر أني انتظرت طويلا لأحصل على أول رواية له من مكتبة المدرسة وكانت رواية بداية ونهاية التي تأثرت بها كثيرا وأمضيت وقتا طويلا قبل أن أتخلص من الحزن الذي ولدته لدي مجريات الأحداث فيها, ومن المساطر المفيدة التي كان معمولا بها في خزانة المدرسة هو أن يطلب من كل تلميذ كتابة تلخيص للكتاب الذي قرأه, وأتذكر أن أول تلخيص كتبته كان لنص اعتقال لحظة هاربة لغادة السمان التي قرأت لها نصوصا أخرى لاحقا, ومن الكتب التي جمعتني بها ذكريات رائعة أيضا مجموعة القصص القصيرة لأنطوان بافلوفيتش تشيخوف وقد كان من الصعب وقتها أن أحصل على نسخة إلى أن أحضر ذات يوم أستاذي للغة العربية مجلدا ضخما يضم المجموعة الكاملة لقصص تشيخوف, وقال لنا إنه سيختار أحدنا ليترك لديه المجلد فكان أن وقع اختياره علي وليلتها لم أنم حتى انتهيت من قراءة جميع القصص. نفس الأستاذ كان أول من أهداني دواوين نزار قباني وبعدها قرأت لشعراء كثر, لكن الديوان الذي أعود إليه دائما هو ديوان المتنبي منذ حصلت عليه بعد أن سألني مرة صديق وهو كاتب مغربي معروف: هل يعقل أن لا يكون لديك ديوان المتنبي؟! بعدها بأيام وصلني الديوان هدية منه وكان مفاجأة لطيفة. قرأت أيضا مجموعة كبيرة من كتب السيرة الذاتية وهو نوع أفضله جدا إضافة إلى مؤلفات محمد شكري وعبد الله العروي ومحمد زوفزاف وأحمد عبدالسلام البقالي.. وعموما هناك كتب كثيرة لكن المساحة ضيقة للحديث عنها وكلها مازالت حاضرة في البال والوجدان وحتما سأكتشف المزيد من الكتب العظيمة في القادم من الأيام. *لو رجع بك الزمن ما الكتاب الذي تود أنك قرأته في وقت مبكر ولماذا؟ لو رجع بي الزمن لوددت أن أقرأ في وقت مبكر كتاب اللاطمأنينة للكاتب والشاعر البرتغالي فيرناندو بيسوا الذي أعتبرني اكتشفته متأخرة جدا. ذلك أنني كلما قرأت له أكاد أقول إن هذا الشخص يعبر عني، يترجم الأفكار التي تدور في خلدي، ويصوغ ما أعجز أنا عن صياغته بتلك الطريقة. فشذرات بيسوا المتفرقة والتي تبدو ظاهريا كما لو أنها منثورة بشكل عشوائي أبعد ما يكون عن التناسق هي يوميات عصر بيسوا رحيقها بشكل عميق حد فقدان الذات. وإن كان يقول إن ما يكتبه غير يقيني فإن كتابه اللاطمأنينة يصل بقارئه إلى مرفأ اليقينية والطمأنينة في شذرات كثيرة. * هل ترين أن القراءة محرك أو دافع للتغيير في وقتنا الحاضر ؟ - طبعا القراءة محرك ودافع للتغيير في وقتنا هذا وفي كل الأوقات. ومن العار أن نكون نحن أمة اقرأ ولا نقرأ، الأرقام المتدنية جدا لمعدلات القراءة في بلداننا مؤلمة فعلا وبغض النظر عن أسباب هذا الفقر المدقع في القراءة لدينا فإن لهذا الواقع نتائج كارثية. فكيف يمكن لمن لا يقرأ أن ينتج فكرة أو رأيا أو قرارا أو موقفا أو تغييرا.. إلى آخره. لدينا أزمة شديدة على هذا المستوى وعلينا أن نعي ذلك ونستوعب أنه إن لم ننهض بمستوى القراءة فإننا لن نصل إلى النقطة التي ننشدها لأن القراءة تفتح التفكير وتخلق الطموح ومن يقرأ اليوم سيقود في الغد. وسأحتفظ ببعض التفاؤل في هذا الاتجاه أمام تعدد المبادرات التي أطلقتها بلداننا من أجل تشجيع القراءة عسى أن يتغير الحال وتتغير معه الأرقام. * ما سمات الكتاب الذي يلزمك قراءته كاملا؟ - لا توجد سمات معينة ينبغي أن تتوفر في الكتاب لأقرأه كاملا. وهناك قاعدتان أساسيتان أعمل بهما في هذا الصدد, الأولى هي أنني لا آخذ برأي أحدهم قرأ كتابا ولم يعجبه فلا أقرأه أنا أيضا, بل أقرأ الكتاب فلربما يعجبني أنا وقد أجد فيها ما لم يجده فيه غيري مثلما قد يعجب الكتاب غيري ولا يعجبني أنا, كما أن قراءة كل شخص تختلف عن الآخر لذلك فتقييمات الآخرين ليست معيارا لانتقاء الكتب التي تنبغي قراءتها. القاعدة الثانية هي أني لا يمكن أن أبدأ قراءة كتاب وأتركه دون أن أنهيه حتى ولو اكتشفت في منتصفه أنه لا يستحق القراءة, وبرأيي أنه من السيئ أن لا ننهي كتابا بدأنا قراءته أولا لأنه حتى وإن كان حكمنا سلبيا بخصوصه فعلينا الإحاطة به ليكون حكمنا ذا مصداقية, وثانيا لأنه مع مرور الوقت قد يصبح عدم إكمال قراءة أي كتاب قاعدة وإن بدون مبرر.
مشاركة :