أعادت محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك بالخرطوم الأسبوع الماضي، الحديث عن التشكيلات الإرهابية التي تتدثر بقوى سياسية مختلفة، وتتلقى دعما من قطر وتركيا. ويُعد السودان محطة مركزية في حسابات الدولتين، التي لا تريد التفريط فيه أو التضحية بجماعة الإخوان الإرهابية النشطة على أراضيه، فقد ذهب نظام الرئيس عمر حسن البشير الذي كان يمثل ملاذا آمنا لهؤلاء، ولم يذهب معه نفوذهم، حيث حرصوا جميعا على إعادة التموضع ومحاولة ترتيب الأمور بما يسمح لهم بإعادة النشاط وفقا للمعطيات الجديدة، على الرغم من اجتهاد الحكومة الانتقالية في اجتثاث جذور الإرهاب والقضاء على تنظيم الإخوان المسلمين تماما. ويرى محللون أن الدوحة وأنقرة ربما استغلتا حديث بعض القوى عن أهمية أن السلطة الانتقالية بعيدة عن سياسة المحاور، وبدأتا اللعب على حبال الإرهاب مجددا والتحرك عبر أدواتهما السياسية والمجتمعية، وضخ دماء جديدة في عروق الإخوان، وتصدير شخصيات غير مستهلكة محليا لتتقدم في المشهد العام وتم منحها درجة عالية من التغلغل في صفوف قوى مناوئة باعتبارها وطنية مستقلة وتريد الانخراط في اللعبة السياسية حسب مفرداتها الراهنة. بالتزامن، حافظت تركيا وقطر على أدواتهما القديمة المتشعبة في أراضي السودان، ورعتا فكرة دمج الأحزاب الموالية والقريبة من الإخوان، لمواجهة غليان القوى المدنية الرافضة للجماعة، والمحرضة على قصقصة أجنحتها من خلال تفعيل قانون “إزالة التمكين”، لكن “الجماعة” تجتهد في تلميع قيادات غير معروفة في صفوف الإخوان لتحولها إلى “حصان طروادة” لصالح الدوحة وأنقرة، ودعمها لاختراق الصفوف وتقديمها على أنها بعيدة عن قوى الثورة المضادة. وتطور الأمر باختمار فكرة العنف في ذهن قطر وتركيا، وحرضتا العناصر الحركية في الإخوان على توسيع أطره مباشرة، وجاءت محاولة الاغتيال الفاشلة، لتؤكد عدوانية “الإخوان” التي تنبأ بها الكاتب الكبير حاج وراق، عندما سئل في عهد البشير أن بلاده حافلة بالجماعات المتطرفة ولم تشهد عنفا أو إرهابا، فقال “ليترك الإخوان السلطة وسترون ذلك، فهم يمتنعون عن ممارسته طالما يستحوذون على مقاليد السلطة”. وقال الكاتب والمحلل السياسي جمال حسين، إن محاولة اغتيال حمدوك سابقة خطيرة في السودان الذي لم يعرف طوال تاريخه السياسي أية محاولات شبيهة أو حوادث اغتيال، برغم الصراعات السياسية والجهوية والنزاعات المسلحة التي شهدها السودان في تاريخه السياسي وهذا يزيد من احتمالية ضلوع أطراف خارجية في تدبير هذه الحادثة، لافتا إلى أن شخصية حمدوك تمثل الآن رمزية للثورة السودانية التي أطاحت بحكم الاسلاميين في السودان. وأضاف “كثيرون يعتبرون أن النظام القديم والجماعات المتطرفة الخارجية مرتبطة بأفكار جماعة الإخوان المسلمين التي تعد المستفيد الأول من زعزعة الاستقرار واستهداف الثورة بمحاولة اغتيال رئيس وزراء الحكومة الإنتقالية”. في السياق ذاته، أكدت رئيس تحرير”سودان اندبندنت” الإلكترونية هند بشارة لـ”البلاد”، إن المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس مجلس الوزراء السوداني، سلوك دخيل على المجتمع السوداني المسالم. ولعل المحاولة جاءت لنسف السلمية التي تميز بها الحراك الجماهيري الذي أدى للإطاحة بنظام دكتاتوري جثم على البلاد قرابة ثلاثة عقود . ولفتت إلى أن الحادث بكل تداعياته مؤشر لتحول مسرح الصراع السياسي ومواجهة تحديات الفترة الانتقالية بالبلاد، وإرباك موقف الحكومة الانتقالية وإلهائها عن تصريف أعمالها خاصة الأزمة الإقتصادية، ومحاولتها إلغاء ديون البلاد الخارجية وإزالة إسمها من قائمة الإرهاب، وهذا ما لايريده الإخوان ومن يدعمهم خارجيا.
مشاركة :