لفتني على تويتر تبرع مواطنين بكيفية مغايرة عما اعتدنا، فأحدهم تبرع بعمارته في المنطقة الشرقية، وآخر بمنزله في أبها، تبرعا مؤقتا عونا لوزارة الصحة في إدارة الأزمة الراهنة، للاستفادة منها في الحجر الصحي للمشتبه بإصابتهم بفايروس كورونا، كما تبرع رجل أعمال بمئة ألف منتج من منتجات شركته، وغيرها من التبرعات المختلفة التي تبرهن على شعور المواطن بأصالة شراكته للجهات المختصة في التصدي لهذا الخطر المحدق بالعالم أجمع. هذه التبرعات قادتني إلى التفكير في نوعية أعمالنا الخيرية، وحاجتنا الملحة إلى إعادة النظر في ثقافة العمل الخيري لدينا، فقد أمضينا عقودا في دائرة واحدة، لم نخرج إلى فضاءات جديدة تناسب المرحلة والعصر إلا قليلا، وما تزال مصارف ومشروعات الجمعيات الخيرية تراوح في ذات الدائرة التقليدية الضيقة (بناء مسجد/ حفر بئر/ إفطار صائم/ كفالة يتيم/ تحفيظ القرآن...) ومع جلالة قدر هذه المصارف وأهميتها للمجتمع المسلم، إلا أن توسيع دائرتها لتشمل الأعمال الصحية والتأهيلية والأبحاث الصحية وغيرها واجب وطني. أعلم أن لدينا جمعيات صحية متخصصة مثل جمعية أصدقاء المرضى، وجمعية مرضى الزهايمر ومثلها للمكفوفين والتوحد وجمعية كفى ومركز الرشد للتعافي من الإدمان وغيرها، لكننا بحاجة إلى أعمال خيرية رائدة في مجال الصحة، فليست لدينا مستشفيات كبرى في هذا المجال، ولا مراكز أبحاث صحية متخصصة، ولا مراكز للطوارئ الوبائية، ولا جمعيات إسعافية غير الهلال الأحمر، ولم أسمع عن إسهامات كبرى لرجالات الأعمال والشركات الكبرى في المجال الصحي غير ما تقدمه المؤسسات الحكومية. من ناحية أخرى يجب أن ننظر إلى أصالة وعمق العمل الخيري في وجدان الناس، فلدى الناس كثير من التبرعات (الصدقات) عن مرضاهم وموتاهم وأنفسهم وكثير من الدوافع، ذهب بعضها هدرا في أيدي المحتالين في حفر آبار أو بناء مساجد في الخارج، كما شاهدنا في مقاطع فيديو متداولة، ولو حاولت وزارة الصحة ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية استثمار هذه التبرعات في توجيه ثقافة الموسرين، وثقافة المجتمع إلى التبرع للمنشآت الصحية الخيرية لكان أجدى وأنفع من التبرع للخارج، وأجدى من تركزها في مجالات تقليدية محددة غالبا ما يكون نفعها محدودا، أو ضعيفا. يمكن لهذه المنشآت الصحية الخيرية بأنواعها أن تكون أوقافا، تقدم خدماتها بأسعار رمزية للمستفيدين، أو تنشئ أوقافها الخاصة التي تعينها على استمرار رسالتها، كما تفعل الجمعيات الخيرية التي أفادت من الأوقاف في استمرار رسالتها الخيرية، وفي بلادنا كثير من الفرص التي يمكن أن تنجح فيها مثل هذه المؤسسات الإنسانية الرائدة. وبعيدا عن الجانب المادي، فإن ثقافة التطوع في مجتمعنا مثالية، فلدينا كوادر صحية في مختلف التخصصات تبحث عن فرص للتطوع ولو بدوام جزئي، تستطيع الوزارتان استثمار هذه الكوادر استثمارا مثاليا يعود نفعه على المجتمع، ويساعد المنشآت الصحية الخيرية في أداء مهامها ورسالتها التي لا تقدر بثمن، وتتيح للشرائح الاجتماعية الفقيرة فرص الاستشفاء، حين تربط خدمات هذه المنشآت بالمستفيدين من خدمات الضمان الاجتماعي، أو المستفيدين من الجمعيات الخيرية التقليدية، أو الحجاج والمعتمرين، ومن تنقطع بهم السبل.
مشاركة :