صناعة المال وعالم الفائدة الصفرية

  • 3/18/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

خلال الأسابيع الماضية من هذا الشهر خفّض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة مرتين نزولا من 1.25 في المائة حتى 0.25 في المائة، وذلك على خلفية أزمة فيروس كورونا التي تعصف بالعالم اليوم، كما أكدت وكالات الأنباء العالمية أن "الفيدرالي" يتجه نحو المحافظة على هذه الأسعار حتى يتجاوز الاقتصاد الآثار التي نتجت عن المرض، كما أطلق برنامجا لشراء سندات بقيمة 700 مليار دولار؛ منها سندات الخزانة الأمريكية بقيمة 500 مليار دولار. كل هذه الإجراءات تأتي من أجل المحافظة على زخم السيولة في الاقتصاد، وبالتالي ضمان بقاء القوة الشرائية عند مستويات فعالة، وتمكين المنشآت الاقتصادية من تمويل المطلوبات السريعة التي تواجهها دون تكبد تكلفة كبيرة تعيقها عن العمل مستقبلا أو تشوه هياكل الأعمال في الاقتصاد. هذه الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة لحقت بها دول أخرى حول العالم، وأصبحت الفائدة قريبة من الصفر في الاقتصاد العالمي، كما اتخذت السعودية مواقف مثيلة مع قرار مؤسسة النقد تخفيض سعر الفائدة، وكذلك إطلاق حزم دعم للقطاع الخاص بقيمة 50 مليار ريال، وهذه المعالجة صحيحة وفقا للنظرية الاقتصادية السائدة اليوم التي تبرر مثل هذا التدخل الحكومي لتحفيز الاقتصاد أو المحافظة على استقراره، لكن هناك تقارير وتساؤلات بدأت تنشأ حول المدى الذي يمكن لأي اقتصاد أن يمضي فيه مع هذه الأسعار من الفائدة المتدنية قبل أن تتم العودة ورفع الأسعار مجددا. من المشهور الآن في عالم الاقتصاد أن الاقتصاد العالمي في مرحلة النمو الضعيف، ومستويات النمو المتوقع للأعوام المقبلة قد لا تتجاوز 2 في المائة في أفضل الأحوال، لذلك يعتقد البعض أن فترة أسعار الفائدة المتدنية قد تطول، خاصة أن بعض الدول أخذت بهذا الاتجاه حتى قبل تفاقم أزمة "كورونا"، وأن عديدا من المصارف بدأ يعاني الفائدة السلبية، فتكلفة الودائع أصبحت أعلى من معدلات فائدة الإقراض، فالنشاط الأساسي للمصارف يتمثل في جمع الودائع وتقديم القروض، لكن هذا النشاط قد يتقلص جدا مع اقتراب أسعار الفائدة من الصفر؛ نظرا لأن الفروق الربحية تنعدم كلما اقتربت المحافظة على ودائع العملاء وبين العائد على القروض. وأشارت التقارير إلى أنه تم تسجيل هذه الظاهرة في اليابان وأوروبا وأثبتتا ذلك. وإذا كانت المخاوف من تراجع الاقتصاد بسبب الأزمة المركبة حاليا، تقود إلى الضغط الكبير على المصارف التي تمول كل الأنشطة الاقتصادية، خاصة تمويلات الاستثمار في الأسواق والمالية والعقار، فإن تراجع هذه المصارف يعني انعكاسات سلبية على كل هذه الأنشطة، وهذا ما بدأت أسعار الأسهم حول العالم تقر به، ولهذا انعكست حالة القلق على الأسعار فعليا. ومن المتوقع أن يكون المشهد أكثر قسوة على المصارف العالمية التي استنفدت حتى الآن آخر ما في وسعها من تخفيضات، ولا يمكنها تخفيضها أكثر، وجاءت النماذج صريحة مع "بنك أوف أميركا"، الذي لديه مستويات منخفضة من تكلفة الودائع؛ خسر 80 مليار دولار من القيمة السوقية في بضعة أسابيع فقط. هذه الخسارة تمثل تصحيحا قويا للتوقعات بشأن الأرباح. هذا المشهد الدرامي يشير إلى أن صناعة المال قد تشهد تغيرات هيكلية واسعة، فالتقارير تشير إلى أن المؤسسات المصرفية القادرة على البقاء هي التي تتأثر بصورة أقل من غيرها بسبب التغيرات في سعر الفائدة، ذلك أنها تقدم مجموعة واسعة من الخدمات غير المرتبطة، بدءا من الخدمات المصرفية الاستثمارية إلى بطاقات الائتمان، وبما يمنحها قاعدة إيرادات أوسع.

مشاركة :