بون شاسع بين الرسم البياني للعلاقة بين العرض والطلب والرسم البياني للعلاقة بين الادخار والاستثمار كان من المفترض أن يكون عام 2016 عام الاستغناء عن برامج التيسير الكمي، لكن واقع الحال يقول إن هذا العام تحول إلى عام أسعار الفائدة السلبية. ومنذ أكثر من عشر سنوات يتردد على مسامعنا أن العالم يعاني فائضاً في المدخرات ناتجاً عن فوائض مالية ضخمة في آسيا وألمانيا. ويمارس هذا الفائض في عرض التمويل ضغوطاً على معدلات أسعار الفائدة، قياساً على الرسوم البيانية التي يتم تعليمها لطلاب المرحلة الثانوية في مفاهيم العرض والطلب والعلاقة بينهما. لكن الواقع يقول إن هناك بوناً شاسعاً بين الرسم البياني الذي يحدد العلاقة بين العرض والطلب في أسواق الخضار والفواكه، وذلك الرسم البياني الذي يحدد العلاقة بين الادخار والاستثمار. فعندما يهبط سعر التفاح إلى الصفر تصبح الجدوى التجارية من نقله إلى الأسواق معدومة. لكن بالمقابل يسارع الناس إلى ادخار أموالهم حتى في نطاق الفائدة السلبي، لأنهم بحاجة لها في تربية أولادهم وفي الإنفاق على تقاعديتهم. وبما أن الطلب على الادخار قوي والطلب على الإنفاق والاستثمار ضعيف، فقد وصلنا إلى نتيجة مضمونها أن معدلات أسعار الفائدة المتوازنة هي المعدلات السلبية. وهكذا تواجه البنوك المركزية تحدي تسويق فكرة النطاق السلبي في أسعار الفائدة، حيث إن المطلوب هو إقناع الناس بأن عليهم أن يسددوا تكلفة ادخار أموالهم في البنوك.لكن فكرة ربط معدلات الفائدة الصفرية بفائض الادخار لا تصمد للبحث والتمحيص. ففي بريطانيا والولايات المتحدة تدخر الأسر، نسبة ضئيلة وليست مرتفعة، من دخلها لتقاعديتها. ولا شك في أن أفق الفائدة الصفرية يفاقم مشكلة الشيخوخة التي تلازم معظم الاقتصادات الغربية.ولا يمكن لأسعار الفائدة المتوازنة أن تكون سلبية إلا في حال انعدام الفرص الاستثمارية التي تحقق مستويات عوائد إيجابية. ومثل هذا الادعاء لا يمت إلى الحقيقة بصلة. فالمتأمل في واقع الدول المتقدمة الحالي يجد أن هناك فرصاً لا تحصى للاستثمار. والخلاصة، أن المشكلة ليست في عدم توفر فرص الاستثمار التي تحقق عوائد مجزية، وإنما في أننا وضعنا الحواجز في وجه تلك الاستثمارات، سواء كانت عقبات اقتصادية، أو إدارية، أو سياسية.
مشاركة :