تزايدت الإصابات والوفيات في إيران وبدأ العالم ينظر إليها بعين الريبة إذ كانت البؤرة الثانية لتفشي فيروس كورونا الجديد بعد الصين التي توفي فيها الآلاف منذ اكتشاف الفيروس أواخر ديسمبر 2019، وزادت حدة التوتر مع العائدين من إيران إلى دول خليجية. وبالتزامن مع الارتفاع الكبير في أعداد المصابين وانتشار الفيروس حول العالم، بدأت المملكة في حملات توعية للتعريف بماهية الفيروس المستجد وأعراضه وطرق الوقاية منه، وذلك قبل تسجيل أي حالة إصابة داخل المملكة. وكانت وزارة الصحة سبّاقة في التنبيه من خطورة إتباع الشائعات والتأكيد على أنها لن تتوانى في الإعلان عن أي إصابة يتم تسجيلها في أرض المملكة لطمأنة المواطنين الذين كان حساب الوزارة على “تويتر” شاهدًا أولًا بأول على حملاتها التوعوية ونشراتها التثقيفية وتنبيهاتها الضرورية استعدادًا للمواجهة التي نشرت فيها طواقم طبية بمختلف مداخل ومنافذ المملكة لفحص العائدين إلى المملكة من مناطق التفشي وتجهيز أماكن خاصة بالحجر الصحي لمن تسلل الفيروس إليها. وإلى جانب جميع الجهات، كانت صحيفة “مكة” الإلكترونية تراقب الوضع عن كثب وترصد التحركات وتقوم بدورها الإعلامي في توعية المواطنين بنشر الأحداث دون تهويل أو تقليل من شأنها وخطورتها، فوزارة الصحة أكدت في بداية الأمر أن تقييم المرض كان في مستوى عالٍ من الخطورة دوليًا وإقليميًا. وبدأ كورونا الجديد بالتسلل إلى دول الخليج، واحدة تلو الأخرى، فدخل الإمارات متخفيًا بزائر صيني ليسجل بذلك أول إصابة في دول مجلس التعاون، وبعدها أعلنت الكويت والبحرين عن تسجيل أولى الإصابات لمواطنين قادمين من إيران، بينهم مواطن سعودي بدأت وزارة الصحة السعودية فورًا التنسيق مع جارتها الكويتية للاطمئنان عليه وتوفير العناية الضرورية لعلاجه. إجراءات ومن جهتها، أعلنت المديرية العامة للجوازات تعليق سفر المقيمين فيها إلى إيران، ومنع دخول المسافرين من غير السعوديين ممن سبق لهم التواجد في إيران إلا بعد انقضاء فترة تتجاوز الحد الأعلى من مدة حضانة الفيروس (أي بعد 14 يوم من خروجه من إيران). ومع زيادة مستوى الخطر من الفيروس، قررت وزارة الخارجية تعليق الدخول إلى المملكة لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف مؤقتًا، وكذلك وقف التأشيرات السياحية للقادمين من الدول التي كان يشكِّل انتشار فيروس كورونا الجديد (19-COVID) منها خطرًا. وفي اليوم الثاني من مارس الجاري، سجّلت المملكة أول إصابة بفيروس كورونا الجديد الذي كان يتفشى في عدد كبير من دول العالم حينها، لتؤكد وزارة الصحة ظهور نتائج مخبرية تؤكد تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا الجديد Covid-19 لمواطن قادم من إيران عبر مملكة البحرين، ولم يفصح عند المنفذ السعودي عن تواجده. وفي مواجهة ذلك، أطلقت حملة تحذيرية لكل العائدين من إيران بضرورة الإفصاح عن تواجدهم فيها لاتخاذ إجراءات احترازية وقائية من الفيروس الجديد، وفي هذه الأثناء سارعت وزارة التعليم بإطلاق حملات التوعية بين الطلاب في المدارس للتعريف بالفيروس المستجد وطرق الوقاية منه قبل الإعلان لاحقًا عن تعليق الدراسة. ومن أقدس بقاع الأرض التي يقصدها المعتمرون والحجاج من شتى أنحاء العالم، اتخذت الرئاسة العامة لشؤون الحرمين، سلسلة إجراءات لرفع وعي قاصدي الحرمين الشريفين للوقاية من فيروس كورونا، فضلا عن تشديد الإجراءات الاحترازية والوقائية وزيادة وعي العاملين على مختلف فئاتهم بالمسجد الحرام وتعميق خبراتهم بطرق التعامل معه وتوقّيه، من أجل التأكد من سلامة وصحة قاصدي الحرمين الشريفين بما يمكنهم – بإذن الله – من أداء مناسكهم وطاعاتهم بيسر وسهولة واطمئنان. وفي الثامن من مارس 2020، أعلنت الصحة عن تسجيل أربع إصابات جديدة لثلاث مواطنات ومواطن قادم من إيران عبر الإمارات العربية المتحدة ولم يفصح عند المنفذ السعودي عن تواجده في إيران، وبدأ عداد الإصابات يرتفع ليصل إلى 15 حالة لقادمين من إيران لم يعلنوا عن مكان تواجدهم السابق. ومع الارتفاع الطفيف في تلك الحالات، صدر في الثامن من مارس الجاري، قرار تعليق الدراسة في مدارس وجامعات المملكة حتى إشعار آخر، ولم تهمل وزارة التعليم أهمية ذلك القرار وخطورته على التحصيل العلمي للطلاب، فوجه وزير التعليم بتفعيل المدارس الافتراضية والتعليم عن بُعد خلال فترة تعليق الدراسة، بما يضمن استمرار العملية التعليمية بفاعلية وجودة. وتعزيزًا للإجراءات الوقائية، أعلنت الهيئة العامة للترفيه عن إغلاق منطقتي الرياض بوليفارد وونتر ويندرلاند أمام الزائرين، بتاريخ 9 مارس 2020، على الرغم من محدودية الإصابات مقارنة بإيطاليا التي وضعت جميع سكانها في الحجر الصحي إبان تلك الفترة. وأعلنت وزارة الرياضة في الـ14 من مارس، تعليق كافة الأنشطة والأحداث الرياضية بمختلف الألعاب والبطولات والمسابقات، وإغلاق الصالات والمراكز الرياضية الخاصة. بشائر الأمل وفي الثاني عشر من مارس 2020، أعلنت وزارة الصحة عن شفاء أول مصاب بفيروس كورونا في المملكة وخروجه من العزل بفضل الله أولًا، ثم بالجهود الطبية والوقائية التي اتخذتها المملكة في حماية مواطنيها ورعايتهم من الفيروس المستجد، ولاحقًا أعلنت الوزارة عن شفاء مصابين آخرين وخروجهما من العزل الصحي. وفي الوقت الذي تسجل فيه دول العالم أرقام كبيرة من الضحايا، برز نجمُ المملكة في الوقاية من المرض وكانت إجراءاتها محل إعجاب وثقة وتقدير ابتداء من منظمة الصحة العالمية التي أشادت بإجراءات المملكة وكونها أول دولة تتخذ إجراءات حازمة لمنع انتشار المرض والوقاية منه. ومرورًا بجمهورية الصين الشعبية التي عبّر سفيرها لدى المملكة تشن وي تشينغ عن إعجابه بالإجراءات التي اتخذتها المملكة للوقاية من الفيروس، قائلًا “سيتم القضاء على الفيروس، وأسست الصين نموذجا، وتعمل السعودية لأن تقدم نموذجا ناجحا مماثلا”. ولم يكتف وي تشينغ، بالإشادة بالخطوات السعودية، وإنما عبّر عن شكر بلاده للمملكة التي ساهمت في تقديم يد العون والمساعدة للصين في محنتها، قائلا “يشهد العالم المساعدة المخلصة بين الدول، ونقدر السعودية لدعمها المعنوي والمادي للصين”. عناية مشددة ومع ارتفاع عدد المصابين واجتياح الفيروس لكبرى العواصم الأوروبية، اتخذت حكومة المملكة، سلسلة قرارات جديدة وجريئة استكمالا لجملة الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها في سبيل تعزيز الوقاية من انتشار فيروس كورونا الجديد. وقررت حكومة المملكة في يوم الـ16 من مارس 2020، تعليق الحضور لمقرات العمل في كافة الجهات الحكومية لمدة (16) يومًا عدا القطاعات الصحية والأمنية والعسكرية ومركز الأمن الإلكتروني. ووجهت بإغلاق الأسواق والمجمعات التجارية المغلقة والمفتوحة، عدا الصيدليات والأنشطة التموينية الغذائية، واقتصار الخدمة في أماكن تقديم الأطعمة والمشروبات وما في حكمها على الطلبات الخارجية فقط، وعدم السماح للعملاء بالجلوس على طاولات الخدمة المخصصة داخل المحلات. وأمرت بالحد من وجود الجمهور والمستفيدين في الدوائر الحكومية من خلال تعزيز التعاملات الإلكترونية وتفعيل منصات تقديم الخدمات الإلكترونية عن بعد، في القطاعات الخدمية بالجهات الحكومية والخاصة كافة.
مشاركة :