نهاية حقبة أردوغان

  • 6/11/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

نتائج الانتخابات النيابية في تركيا التي أجريت الأحد الماضي في السابع من حزيران/ يونيو كانت تاريخية بكل ما في الكلمة من معنى من أي زاوية نظرنا إليها. رغم احتفاظه بالمركز الأول من بين سائر الأحزاب، فإن حزب العدالة والتنمية لم يعد ذلك الحزب الذي يستطيع تشكيل حكومة بمفرده بعدما تراجع عدد نوابه من 327 حالياً إلى 258 نائباً أي أقل من الغالبية المطلقة(276 نائباً) ب 18 نائباً. وتراجعت نسبة التأييد الشعبي له بنسبة كبيرة من خمسين إلى 41 في المئة. وتراجعت كتلة التصويت له من 21 مليوناً ونصف المليون عام 2011 إلى أقل من 19 مليوناً، رغم أن عدد الناخبين ازداد من خمسين مليوناً إلى 54 مليوناً. ماذا تعني هذه النتائج؟ ببساطة يمكن القول إن حزب العدالة والتنمية قد ضرب من بيت ناخبيه أي من داخله. أي أنه عانى انفضاض كتلته الناخبة عنه بنسبة تقارب العشرة في المئة على مستوى تركيا وعشرين في المئة على مستوى بنيته الداخلية. وهذا يفتح باباً واسعاً لتداعيات داخل حزب العدالة والتنمية نفسه. إذ إن الحزب فشل في أول اختبار له بزعامة أحمد داود أوغلو في أن يبقى منفرداً بالسلطة للمرة الأولى منذ العام 2002. وأن يفشل الحزب في ذلك بعد ثمانية انتصارات متوالية نيابية وبلدية ورئاسية فهذا أمر لا يمكن أن يمر مرور الكرام وتداعياته البنيوية على حزب العدالة والتنمية لا بد أن تكون كبيرة جداً وتعكس خطاً لا رجعة فيه في العد العكسي لفلسفة حزب العدالة والتنمية ومشروعه ودوره في الداخل والخارج. وفي الحقيقة إن أحد أهم أسباب هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات هي تفريغ الحزب من طاقاته وكوادره التاريخية والمؤسسة له. فأولاً غدر أردوغان بشريكه من خارج الحزب الداعية الإسلامي فتح الله غولين فأراد إضعافه بإغلاق المدارس المسائية التي كان يمولها ويديرها غولين، فكان الصراع المرير الذي انتهى إلى تصفية واسعة لنفوذ غولين في الدولة. ومن ثم تخلص أردوغان من أقرب رفاق دربه الرئيس السابق عبدالله غول بتدبير مؤامرة عليه لمنع عودته إلى الحزب بعد انتهاء ولايته في نهاية الصيف الماضي. ومضى أردوغان أبعد من ذلك بعدم تغيير النظام الداخلي للحزب وأبقى البند الذي يمنع من مرت عليه ثلاث ولايات نيابية من الترشح وهذا كان يعني تصفية كل المؤسسين والقيادات البارزة من الدخول إلى البرلمان مثل بولنت أرينتش وبشير أتالاي وجميل تشيتشيك وعلي باباجان ومحمد علي شاهين وهلم جرا.. مقابل ذلك يبقى أردوغان وحده في الميدان بانتخابه رئيساً للجمهورية.ولو لم يكن مرشحاً لرئاسة الجمهورية لكان غير أردوغان النظام الداخلي في الحزب لأنه إذا طبقه كما هو سيحرم هو نفسه من البقاء في البرلمان وفي رئاسة الحكومة وهذا أمر مستحيل عليه. ومقابل كل هذا لم يختر أردوغان سوى شخصية صفتها الأولى أنها تأتمر بأمره ولما يمض على عضويتها في الحزب أكثر من خمس سنوات، نقصد أحمد داود أوغلو ليكون خليفة له في رئاسة الحزب والحكومة. وإذا ألقينا اليوم نظرة إلى الصف الأمامي في قيادة الحزب لن نعثر على اسم واحد مهم وله تاريخه النضالي. إلى تفريغ الحزب من مدافعه الثقيلة كان تورط الحزب وأردوغان شخصياً مع عائلته ووزرائه في قضايا الفساد في نهاية العام 2012 وشن حملة واسعة للفلفة الفضيحة بالانتقام من جماعة غولين واتهامه بالعمالة والتآمر مع الخارج. وبدلاً من التحقيق في القضية وإظهار شفافيته وحرصه على القيم الأخلاقية والإسلامية أمعن في تغطية المتورطين بضرب المؤسسات القضائية. هذه القضية أثرت كثيراً في جانب من القاعدة الإسلامية للحزب فكان خيار بعضها عدم التصويت هذه المرة لمن يأكل مال اليتيم والشعب. لقد كان أردوغان أحد أهم عوامل خسارة حزب العدالة والتنمية بطمعه على أن يكون سلطان تركيا الجديد من خلال تفرده أولاً بقرار الحزب، وثانياً مصادرة قرارات الحكومة، وثالثاً وهذا الأهم السعي لتعديل النظام الحالي إلى نظام رئاسي يحصر كل الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية. ولذلك نظر أردوغان إلى الانتخابات النيابية على أنها رئاسية لا نيابية. هذا الأمر استفز كل المكونات السياسية والديمقراطية الأخرى من المجتمع التركي التي تعارض أردوغان والتي ترى أن النظام الرئاسي لا يناسب تركيا ويلغي كل الآخرين خصوصاً إذا كان الرئيس هو أردوغان. وهذا شد عصب المجتمع التركي من أجل إسقاط حزب العدالة والتنمية في الانتخابات. العامل الكردي ولعل الطريق الأقصر والأهم لتحقيق هدف إسقاط أردوغان هي أن يتجاوز حزب الشعوب الديمقراطي الكردي عتبة العشرة في المئة ليمنع حزب العدالة والتنمية من تجيير النواب الأكراد في حال لم ينل العشرة في المئة وهم يقاربون الستين نائباً. لقد استفز أردوغان العصبية الكردية بصورة فجة ولا سابق لها عندما تعاون مع التنظيم المتطرف داعش من أجل إسقاط مدينة عين العرب/ كوباني الكردية داخل سوريا وعلى الحدود التركية مباشرة. وفي إحدى المرات بشّر أردوغان بأن المدينة على وشك السقوط. ومن بعدها أعلن أردوغان أنه لا قضية كردية في تركيا. استفزت هذه العوامل حتى الناخب الكردي من ذوي الاتجاهات الإسلامية الذي كان يصوت له، فذهبت نسبة مهمة من الناخبين الإسلاميين لدى الأكراد إلىحزب الشعوب الديمقراطي مقدمين هويتهم القومية على هويتهم الدينية. وواجهت رغبة أردوغان في النظام الرئاسي أيضاً دعوات من جانب المعارضة إلى التصدي لها وشن المثقفون حملة موازية تدعو إلى منع أردوغان من ذلك عبر التصويت لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي فقط، من أجل أن يصل إلى عتبة العشرة في المئة فيحرم أردوغان من القدرة على تعديل الدستور. وهكذا كان بل إن الحزب الكردي تجاوز التوقعات بنيله 13 في المئة مع ثمانين نائباً في انتصار تاريخي غير مسبوق. انهيار المنظومة النتيجة الأولى لهذا المشهد التركي الجديد أن منظومة حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان قد انهارت وإن بقي حزب العدالة والتنمية هو الحزب الأول في البلاد. وفي الواقع إن هذه المنظومة قد بدأت عدها العكسي منذ انتفاضة تقسيم غيزي، واستكملت بظهور فضيحة الفساد في نهاية العام 2012.. فالصراع الداخلي في الحزب وتصفية رفاق الثورة بعضهم البعض. لذا فإن ما حصل الأحد الماضي هو تبلور ملامح السقوط الذي قد يأخذ وقتاً وهذا طبيعي. لكن أن تفشل في التفرد بالسلطة وبنسبة كبيرة (عشرة في المئة) وتآكل حتى الأصوات التي كان نالها عام 2011 بعد 13 عاماً من الصعود المتواصل فهذا ليس تفصيلاً هامشياً في مسيرة حزب العدالة والتنمية. لقد وصل الحزب وكل المنظومة الأردوغانية إلى لحظة مواجهة الحقيقة المرة وهي أن عمرها انتهى وأنها باتت غير صالحة للاستعمال ولو استمرت لبعض الوقت. فالانهيار كما الصعود يحتاج إلى وقت وإن كانت مدة الانحدار عادة أسرع بما لا يقاس مع فترات الصعود. تعاني تركيا انقسامات في وسط المعارضة وهذا كان من أسباب نجاحات أردوغان الماضية، لكن اليوم مع تقدم المعارضة وانضمام حزب العدالة والتنمية إليها في كونه حزباً مأزوماً حتى العظم يفتح البلاد أمام مآزق تشكيل حكومة جديدة، حيث إن الائتلاف يفرض نفسه. ومع صعوبة التوصل إلى هذه الصيغة فإن الاحتمال يبقى قائماً ولا سيما بين العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية لكن بشرط ذهاب البلاد إلى انتخابات مبكرة في الخريف المقبل أو السنة المقبلة على أمل أن تفرز خريطة جديدة. لكن أن يحصل ائتلاف لفترة طويلة بين حزبين فقط فهو ما لا تتحمله البلاد خصوصاً في حال استبعاد الحزب الكردي الذي أصبح رقماً صعباً عن أي ائتلاف. تداعيات خارجية إن مجرد فشل حزب العدالة والتنمية في التفرد بالسلطة وربما خروجه منها، يعني أن القرار في السياسة الخارجية أيضاً لم يعد احتكاراً لشخص واحد هو رجب طيب أردوغان. وفي ظل العناوين المرفوعة من أحزاب المعارضة فهناك معارضة كاملة لسياسات أردوغان في المنطقة ولا سيما في سوريا والعراق ومصر ودعم جماعة الإخوان، فإن تغييراً حتمياً ينتظر السياسة الخارجية التركية في مختلف الاتجاهات. ولا شك أن كل هذه التنظيمات سوف تبدي قلقها من فقدان الحاضنة التركية لها وفي رأسها جماعة الإخوان. إذ بعد أن تلقت ضربات قاصمة في مصر والخليج وتونس وفي سوريا فقد كان من الطبيعي ألا يتوقف انهيارها على هذه الدول فكان استكمال المشهد العام بانهيار بابها العالي وسلطانه عبر هزيمة حزب العدالة والتنمية وتحوله إلى باب واطي وهذا سيكون له المزيد من التغير في المشهد الإقليمي. صفحة جديدة تكتبها تركيا من تاريخها الحديث بأمل إعادة التوازن إلى المنطقة والدفع إلى حقبة جديدة عنوانها وقف العبث في شؤون المنطقة من أجل تمرير مخططات ومشاريع عثمانية دفنت منذ قرن بالكامل.

مشاركة :