الحداثة في العقل الإسلامي

  • 6/11/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يظن بعض الدارسين والمهتمين بالحداثة أنها فكرة منعزلة وطارئة على المجتمعات الإنسانية، وتبعا لذلك الفهم يسعى كل طرف للسيطرة عليها، أو إخضاعها إلى ما يؤمن به من معتقد. وهم بذلك في الواقع يخرجون بالحداثة من منظورها التطبيقي الواقعي، إلى بعدها التنظيري التخيلي، في محاولة مستميتة لإسقاط الفكرة الدينية أو فكرة العادات والتقاليد الاجتماعية على مضامينها، في الوقت الذي لا تخضع فيه الحداثة لأي من تلك التصورات أو الأطروحات الساعية لتحجيمها. فالحداثة تبدو في روحها ومضمونها الحركي، عملية ارتقاء وتبدل مستمرة، تظهر بالتراكم المعرفي والتواصل المختلف، وتبادل الخبرات الإنسانية في أحد جوانبها. الحداثة ليست حالة عصف ذهني، أو حالة انحياز براغماتي كعملية التطور مثلا، لكنها عملية إنجاز يحققها التراكم المعرفي التاريخي الكلي للأشياء، والمؤسف أن يحاول التيار الديني تقديمها للعقل على أنها حالة معادية للدين بكليته، ولا يشيرون إلى نقض الحداثة لبعض المعتقد الأممي التاريخي المرتبك، بل ينحازون إلى التعصب على حساب الواقعية، كنوع من مواقف الدفاع الاستباقية. ويتناسون أنهم ينكرون الحداثة بوصفها وعيا تنويريا على هذا الأساس! وذلك هو ما ترفضه فلسفة الفكر الوجودي "الأنطولوجيا" جملة وتفصيلا، فالحداثة تحقق مكاسبها المتتالية كعملية بنائية، دون النظر إلى ملائمة ذلك مع أطراف وأجزاء المحيط بها، بل وتبتلعه في حالة رفضه لها. أسوق هذا التقديم لتبيين فكرة الحداثة عند الإسلاميين، من خلال متابعة وقراءة نظرتهم العامة لها، وعبر مؤلفاتهم وتعريفاتهم السطحية لماهيتها، فالحداثة في نظرهم لا تعدو كونها "مذهب فكري أدبي علماني، بني على أفكار وعقائد غربية خالصة مثل الماركسية والوجودية والفرويدية والداروينية، وأفاد من المذاهب الفلسفية والأدبية التي سبقته مثل السريالية والرمزية… وغيرها". وهو خلاصة ومضمون ما حمله كتاب الحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني -أحد أهم من ركبوا الموجة-، والذي يقول إن الحداثة ليس لها مشروع، لأنها غير بناءة بل هادمة..! ويتبنى هذه الرؤية غيره من المهتمين بالفكرة ذاتها والمنظور ذاته. إذ إن هذه النظرة الضيقة لفكرة الحداثة ومشروعها التنويري، يدل على ضعف رؤية العقل الإسلامي للأشياء بشكلها ومضمونها، ويطرح التساؤلات العريضة، حول ملامح مستقبل الفكر والوعي العربي والإسلامي، في ظل المتغير المحسوس والملموس الوجودي، وأثره في ذهنية وثقافة الفكر الإسلامي. إن الإشكالية الكبيرة تكمن في كثرة انتقاد الفكر الإسلامي لكل ما حوله، مقابل قلة وشح مراجعاته لتراثه وتاريخه، مدعوما بحذره المبالغ فيه في هذه النقطة تحديدا! وهذا ما يجعل دائرة المقدس لديه تزداد اتساعا مع مرور وتتالي الزمن، وبالتالي تقديس أكثر لفكر المطلق في ما فيه أخذ ورد. لكن هذا المنحى يصطدم بواقع رفض الحداثة التام لفكرة المطلقات الوجودية، وهذا ما (لا يعجب) العقل الإسلامي الذي يصر على جعل كثير مما ورد في النصوص الثواني مثلا مطلقات وأسس، في الوقت الذي يهمل فيه جانب العرض المنطقي لدارسيها. التناقض يكمن في أن القائلين برفض الفكر الحداثي، هم أكثر من يرضخون الآن لقوة التحولات التي تفرضها الحداثة في العديد من جوانبها، وهم أول وأشد منكريها أيضا، وليس لديهم حرج في التماهي معها على الرغم من كرههم لها ورفضهم الصوري لمخرجاتها، في مشهد يبعث على السخرية لا على الاحترام.

مشاركة :