الانتخابات الإسرائيلية الثالثة.. نتائج غير حاسمة

  • 3/18/2020
  • 01:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

للمرة الأولى في تاريخها، خاضت إسرائيل انتخابات ثالثة لاختيار رئيس الحكومة في غضون عام واحد؛ بعد فشل الجولتين السابقتين في تحديد فائز ذي أغلبية واضحة، لكن نتائجها، تشير إلى أن الأوضاع عادت إلى المربع الأول، بالرغم من النصر الذي حققه «بنيامين نتنياهو» على الصعيد الشخصي والحزبي بزيادة عدد مقاعده إلى 36 بدلا من 33 في الانتخابات السابقة، وإجمالي 58 مقعدا لصالح تحالفه اليميني، وبرغم أيضًا تهم الرشوة والفساد التي تلاحقه -والتي اعتبرته وسائل الإعلام الإسرائيلية هزيمة لسلطة القانون ولكل إسرائيلي يريد أن يعيش في دولة قانون ديمقراطية- لكن في النهاية يظل الطريق أمامه لتشكيل حكومة مرصوفا بعراقيل كثيرة، ويجعل من إجراء انتخابات رابعة أمرا غير مستبعد. وتشير هذه النتائج إلى أن «نتنياهو» بحاجة إلى 3 مقاعد لتأمين الـ61 مقعدا المطلوبة لتحقيق الأغلبية في الكنيست في حالة استطاع إقناع أعضاء من المعسكر المضاد كي ينتقلوا لمعسكره ليتمكن من تشكيل حكومته، في الوقت الذي يقاتل فيه لوقف الإجراءات القضائية ضده والتي ستقضي على مسيرته السياسية. وفي هذا الصدد قالت صحيفة «واشنطن بوست»، أن ادعاء «نتنياهو» بـ«نصر كبير» في الانتخابات الثالثة كان سابقا لأوانه، حيث اعتقد أنه كسر مأزقا سياسيا أجبر الإسرائيليين على التصويت ثلاث مرات في الأشهر العشرة الماضية وفاز بولاية جديدة بعد 11 عاما في منصبه.وكان الكثيرون قد توقعوا أن يخرج الليكود إما بنفس عدد المقاعد أو أقل من الانتخابات السابقة التي أجريت في سبتمبر 2019. لكن في النهاية، ثبت خطؤهم. ويرجع هذا إلى عدة عوامل أهمها عدم الاكتراث الواضح للناخبين الإسرائيليين باتهامات الفساد والإفساد الموجهة لنتنياهو، والتي سيتم البت فيها في المحكمة قريبًا؛ حيث لم يكن لها تأثير على الناخبين، يؤكد ذلك «أوليفر هولمز» في صحيفة «الجارديان»، من أن «الناخبين إما لا يصدقون مزاعم الفساد، أو لا يهتمون لها؛ ما يجعل هناك أوجه تشابه مع بعض مؤيدي ترامب في الولايات المتحدة، الذين يرفضون الاعتقاد أو يقللون من الانتقادات لسلوكه الغريب». يعزز ذلك، أن اليمين المتحالف معه يريد من هذه الحكومة ضم مساحات من الضفة الغربية وكامل غور الأردن والقدس الشرقية رغم تعارض ذلك مع القانون الدولي، إلا أنه يقال إنه لتنفيذ سياسة فاسدة مطلوب رئيس وزراء فاسد.ويظل هناك عامل آخر حاسم في تحقيق النجاح الانتخابي لنتنياهو، وهو الوحدة الدائمة للكتلة اليمينية التي يقودها حزب الليكود. يشير محلل السياسة الإسرائيلية «جوشوا ميتنيك» في تقرير لمجلة «فورين بوليسي»، إلى أن نتنياهو «تمكن من إبقاء أعضاء حزب الليكود وراءه بقوة بحجة أنه الوحيد القادر على قيادة البلاد، كما أقنع أيضا حلفاءه اليمينيين بالبقاء مخلصين، من خلال وعده بضم أراض في الضفة الغربية وغور الأردن والقدس بعد الانتخابات، وفق خطة السلام التي قدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب». ورغم ذلك، فإنه لم يكن مؤكدا قدرة نتنياهو  على تشكيل حكومة إذا لم يوافق «غانتس» زعيم حزب «أزرق-أبيض» الذي حصل على 33 مقعدا، على الانضمام إليها، وخاصة أن «غانتس» سيخسر مصداقيته في حال أبرم اتفاقا مع نتنياهو بعدما مكث 12 شهرا الماضية منددا بعدم شرعيته وبخطورته وبفساده. وفي هذا الصدد، تقول مجلة «الا يكونوميست»: «ما زال على نتنياهو العمل على إبرام صفقة مع «أزرق- أبيض»، الذي مازال زعيمه يستبعد العمل مع رئيس وزراء تطارده التهم بالفساد والاحتيال، لكن ربما نتيجة الانتخابات المُخيبة للآمال قد تجعله يخفف من موقفه».ورغم قيام الرئيس الإسرائيلي بتكليف غانتس بتشكيل الحكومة قبل أيام بعد حصوله على تأييد 61 نائبا منتخبا في الكنيست، إلا أن هناك شكوكا في قدرته على إيجاد ذلك في الفترة المحددة لتشكيل الحكومة. ووفقا للعديد من المراقبين فإن نتنياهو كان سيواجه أيضا بعض العراقيل أمام تشكيل حكومة، في ضوء المعوقات القانونية المرتبطة بالمحاكمة الوشيكة بشأن قضايا الفساد المتورط فيها. وأشارت صحيفة «التليجراف»، البريطانية، إلى أن «نتنياهو قد يكون لديه القدرة على تشكيل حكومة جديدة، ولكن ما سيعترضه أنه بصدد الخضوع لمحاكمة قريبة». وكان عدد من الخبراء القانونين قد أوضحوا أن القضاء الإسرائيلي ربما يعلن أنه من غير الدستوري أن يكلف الرئيس الإسرائيلي نتنياهو بتشكيل حكومة في الوقت الذي ينتظر فيه المحاكمة على خلفية التهم الموجهة إليه، وهذا الأمر يعتبر أمرا غير مسبوق في التاريخ السياسي الإسرائيلي. يقول «ديفيد ماكوفسكي»، من معهد «واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، «إذا استطاع نتنياهو الحصول على 4 مقاعد أخرى بالإضافة إلى 58 التي حصل عليها، سيطلب من البيت الأبيض السماح له بضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وذلك التزاما بما تعهد به أمام التيارات اليمينية، ولعل هذا السيناريو سيقود إلى حالة من التوتر في الضفة الغربية ويجهض خيار حل الدولتين تمامًا. وإذا ما تم وضمت السلطات الإسرائيلية وادي الأردن، فإن عمان بدورها قد تقوم بتجميد تنفيذ البنود السياسية الواردة في معاهدة السلام الأردنية –الإسرائيلية، وخاصة مسألة التعاون الأمني بين كلا الدولتين». وعليه، ستكون التداعيات والعواقب كارثية بالنسبة إلى كل من إسرائيل والمنطقة برمتها كونها ستعمل على تقويض حقوق الفلسطينيين وعرقلة العلاقات الإسرائيلية مع العالم العربي ونمو التطرف الديني داخل المجتمع الإسرائيلي والحياة السياسية على حد سواء. لكن يبقى أن القائمة العربية المشاركة التي تضم أربعة أحزاب إضافة إلى مجموعات عربية أخرى قد احتلت المركز الثالث بعدد 15 نائبًا، وهو رقم قياسي جعلها ثالث أكبر كتلة في الكنيست رغم أنهم كانوا لا يصوتون عادة في الانتخابات الإسرائيلية، وبهذا العدد حرمت نتنياهو من تحقيق أغلبية برلمانية تمكنه من تشكيل حكومة يمينية متطرفة تسعى لإنجاز صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية وتستهدف الحقوق القومية والوطنية كمجتمع عربي فلسطيني وتضعه تحت تهديد الترانسفير. وفي هذا الصدد، اعترف عضو الكنيست «ميكي زوهر» من الليكود أن ارتفاع عدد نواب القائمة المشتركة بمقعدين قد حرم نتنياهو من تشكيل حكومة. وطالب الليكود بالتوقف عن التحريض ضد العرب داعيا إلى التقرب منهم والتعامل معهم والمحافظة على حقوقهم كي يحصل الليكود على حصة من أصواتهم، وفي هذا رد على نتنياهو الذي يسعى لتحريض اليهود على العرب من خلال شعارات عنصرية أشهرها إما بيبي أو طيبي. وفي الوقت الحالي، تدرس القائمة العربية خياراتها، وستقرر بعد المشاورات الداخلية خطوتها القادمة.وكما هو الحال في الانتخابات السابقة، تصنع تطورات المشهد من «أفيغدوز ليبرمان»، رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، مرشحا قد يلعب دور صانع الملوك في أي حكومة ائتلافية. ورغم أنه حصل على 7 مقاعد فقط بانخفاض عن 8 مقاعد في الانتخابات الأخيرة، إلا أن حزبه يحتفظ بالقدرة على دفع نتنياهو إلى الحكومة إذا ما قرر الانضمام إليه؛ لكن يبدو هذا الأمر مستبعدا، فقد أعلن أنه وحزبه علمانيان ويعارضان الأحزاب المتشددة المتطرفة المتحالفة مع الليكود وأنه سيؤيد خطوة أزرق– أبيض في الكنيست بمنع تكليف شخص يواجه لائحة اتهام من تشكيل الحكومة، وبهذه الطريقة يتم التخلص من نتنياهو، وقد يكون الحل هو التوجه لانتخابات رابعة أو أن يختار الليكود زعيمًا آخر. وكتب على تويتر عقب الانتخابات لن ننضم إلى أي حكومة يقودها نتنياهو. الذي لن يستسلم لمطالب ليبرمان.وفي الوقت الحالي، يسعى زعيم «أزرق –أبيض»، «بيني غانتس»، للترتيب لخطوة جديدة تمهيدًا لتشكيل ائتلاف يستبدل حكومة نتنياهو، وفي هذا الإطار، اجتمع مع «أفيغدور ليبرمان» رئيس حزب إسرائيل بيتنا ووصف الاجتماع بالجيد حقًا، وعقد اجتماعا مع القائمة العربية المشتركة من أجل التباحث بالتوصية أمام رئيس إسرائيل على المرشح لتشكيل حكومة جديدة ومواضيع أخرى، وأكد لهم أنه عازم على تشكيل حكومة تخدم كل المواطنين.. علمًا بأن «غانتس» لا يستطيع تشكيل ائتلاف حكومي من دون القائمة العربية المشتركة، مما يعكس ارتفاع قوة وفاعلية التمثيل البرلماني العربي في الكنيست برأي العديد من المحللين الإسرائيليين والعرب.على العموم، ستشهد إسرائيل في الأيام المقبلة إطالة أمد «الشلل السياسي» في ظل استمرار حالة عدم اليقين بقدرة غانتس على تشكيل حكومة، سواء كانت ائتلافية أو حكومة وحدة وطنية، مع سيل من الأنباء المتناقلة عن هوية أعضاء الكنيست الذين قد يتركون أحزابهم وقوائمهم الانتخابية لصالح الانضمام لائتلاف بقيادة نتنياهو من جهة، أو سعي «بيني غانتس»، لتشكيل ائتلاف يستبدل حكومة نتنياهو من جهة أخرى، فيما تبقى احتمالات الاتجاه إلى انتخابات رابعة أمرا متوقعًا وتظل احتمالات تشكيل الحكومة تجمع بين ائتلاف نتنياهو وحزب غانتس موضع مساومة كبرى في ظل انتشار فيروس كورونا.

مشاركة :