بالصور.. عندما تسرق “إسرائيل” التراث الفلسطيني

  • 6/11/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كل الوطن، أسامة الفيصل:  تعمل إسرائيل على القضاء على القضية الفلسطينية؛ شعباً وتراثاً، بغرض تفريغ الذاكرة الجمعية الفلسطينية من مخزونها الثقافي والفكري والتراثي. وإذا كانت عمليات سرقة الأرض وتهويدها ماضية، فإن عملية استهداف الإنسان الفلسطيني تسير عبر قتله مادياً ومعنوياً من خلال سرقة الموروث والمخزون التراثي، وذلك بسرقة الثوب والزي الفلسطيني وتحويله لباس مضيفات طيران شركة العال الإسرائيلية، والإدعاء أنه زيّ إسرائيلي، وسرقة الطابون والشيكل (الشيكل) عملة إسرائيل، بدلاً من الليرة- الجنيه وهي كلمة كنعانية الأصل. ولأن الإسرائيليين ليسوا أصحاب الأرض فقد عمدوا إلى طمس الملامح العربية الإسلامية والمسيحية في فلسطين وكل ما هو موجود وشاهد على قدم الوجود العربي فيها.‏ وعمدوا كذلك إلى محاولات خلق تلفيقات تدعم كذبهم وزورهم لكي يوهموا العالم بحقيقتها عبر التزوير والاستيلاء على التراث الفلسطيني وإزالة كل ما يدل على ملكية فلسطين لأصحابها.‏ ما هو التراث؟ تُطلق لفظة التراث على مجموع نتاج الحضارات السابقة التي يتم وراثتها من السلف إلى الخلف وهي نتاج تجارب الإنسان ورغباته وأحاسيسه سواء أكانت في ميادين العلم أو الفكر أو اللغة أو الأدب وليس ذلك فقط بل يمتد ليشمل جميع النواحي المادية والوجدانية للمجتمع من فلسفة ودين وفن وعمران… و تراث فلكلوري واقتصادي أيضاً. التراث والمجتمع وللتراث تأثير على المجتمع من خلال بعده الثقافي، وما يصدر عن الشعب من إبداع، وما يمارسه من شعائر ومراسيم وما يصدر عنه من عادات وتقاليد. واعتبر نبيل علقم في دراسة له بعنوان: التراث والتراث الشعبي الفلسطيني، أنه لو جرّدنا أي شعب من إبداعه وشعائره ومراسيمه وعاداته وتقاليده – وهذه كلها تشكل ثقافته – أيبقى شيء ذو بال يعطي صورة عن المجتمع؟ قد نستطيع في مثل هذه الحالة أن ندرس بعض نواحي المجتمع كاقتصادياته وهويته السياسية وفئاته البشرية وحتى مثل هذه الدراسة تبقى ناقصة لأنها تتأثر بالناحية الثقافية، وحتى نفهمها لا بد من دراسة الثقافة، فالثقافة تعكس العقلية السائدة، ومن دراسة عقلية شعب ما نستطيع الحكم عليه والتعرف على مشاكله الاجتماعية واقتراح الحلول المناسبة لها، وفي تراثنا كل أغنية، أو بكائية، أو مثل، أو أسطورة تروي لنا ناحية من نواحي التفكير لدينا، سلباً أو إيجاباً، وأضرب مثلاً على انعكاس السلبيات في التراث على المجتمع وعملها على تخلفه: ففي مجتمعنا الشعبي تسود نظرة التقديس للأولياء في قطاعات كبيرة من شعبنا العربي في كل مكان، ونرى كثرة الأساطير التي نشأت حولهم، ماذا يعكس ذلك؟ إنه يعكس صورة مجتمع بحاجة إلى المزيد من الوعي للتخلص من تأثير مثل هذه الخرافات... إسرائيل تُزوّر الآثار قام موسى فلهلم شابيرا (ت1887) في فلسطين بتزوير المئات من القطع ووضع عليها كتابات قديمة وادعى أنها آثار مؤابية. واتهم أيضاً بتزوير بعض أسفار التوراة، حيث أدعى أنه عثر عليها قرب البحر الميت. وقد اغتمر بما كان يدعيه بعض المختصين وبعض المتاحف أيضاً، حتى إن بعضها اشترى مئات القطع منه وعرضت فيها لفترة إلى أن اكتشفت زيفها (كما يحدث اليوم في الكيان). (موقع مؤسسة القدس للثقافة والتراث). واستعرضت الكاتبة الأمريكية نينا بيرليه في كتابها: التجارة غير المقدسة: قصة حقيقية للعقيدة، الطمع والتزوير في الأرض المقدسة، بعضاً من عمليات التزوير التي يقوم بها الإسرائيليون للتراث والطرق المتبعة فيها والتقنيات المستعملة في ذلك والمجموعات المشتركة فيها. فمن هذه الحالات التي أخذت بعداً عالمياً، الصندوق الصخري الذي يعتقد أنه يحتوي على رفات يعقوب أخي المسيح عيسى الذي قتل عام 62 ميلادية. ففي عام 2002 أعلن في الولايات المتحدة في مؤتمر صحافي عن اكتشاف هذا الصندوق الذي قيل إنه نقش عليه يعقوب بار يوسف أخوي دي يشوع يعقوب بن يوسف أخو يشوع.. وقد أثار هذا الخبر ضجة كبيرة ليس بين الآثاريين فحسب، ولكن بين المسيحيين عامة، إذا رأوا في هذا الاكتشاف دليلاً قاطعاً على تاريخية عيسى بعد أن أخذ البعض يشكك حتى بوجوده، وقد كتب عنه أحد المهتمين كتاباً يؤكد أصالة الأثر والكتابة عليه وأنتج عنه فيلماً أيضاً. وكان الصندوق بحوزة تاجر الآثار الإسرائيلي المعروف عوديد غولان، وهو كان قد عرضه على أحد الخبراء الذي وثّق أصالة الصندوق كما قال. وأخذ هذان وشخص ثالث يروجون له. وكان عوديد قد أدعى أنه لم يكن يعرف أهمية الصندوق إلا بعد أن قرأ له أحد الخبراء ما كتب عليه من نقش. ثم عرض الصندوق في أحد المتاحف في كندا وبقي هناك لفترة طويلة كان عشرات الآلاف من الناس فيه يقفون في طوابير لمشاهدته والتمتع برؤيته بل والصلاة عنده. ولكن بعض الباحثين شكك في الادعاء، خاصة أولئك المهتمين بالنقوش، وكان الشك في طبيعة النقش وشكله وطريقة كتابته. وقد أعلن هؤلاء أن النقش حديث على الرغم من أن الصندوق قديم، وتبيّن بعد الفحص أن على سطحه آثار مياه حديثة. وكان السبب الذي أعطاه عوديد لذلك هو أن أمه كانت تمسحه بالماء والصابون من دون معرفة قيمته الأدبية. وقد حققت الحكومة الإسرائيلية مع عوديد وآخرين واتهمته بالتزوير وسرقة الآثار. وكان بعض المسؤولين في الحكومة قد سموا هذا التزييف تزييف القرن. (المصدر السابق نفسه) ومن الأشياء التي تبيّن أنها مزورة ختم حجري قيل في حينها إنه للملك منسّى ملك يهودا (القرن السابع ق.م) حيث نقش عليه منسّى ابن الملك. وافترض أنه نقش يعود له قبل أن يصبح ملكاً. وكان في حينها قد عرض على جامع آثار بمبلغ مليون دولار. كما عرضت منواره شمعدانا مصنوعاً من الصخر على أنه خاص برئيس كهنة ما يسمى بالهيكل الثاني وكان قد طلب ثمناً له مبلغاً ضخماً وقد تبيّن أن المنوراه مزورة. ولم تتوقف محاولات السرقة عند ذلك فحسب، حيث سرق مؤخراً المصمّمان الإسرائيليان جابي بن حاييم، وموكي هرئيل تصميم الكوفية الفلسطينية المعروفة، وجعلاها بألوان علم إسرائيل، ونجمة داوود في محاولة لسرقتها. وارتدت زوجة موشي ديان وزير الحرب الإسرائيلي في ستينات القرن المنصرم في إحدى المناسبات العالمية ثوباً فلسطينياً زاعمة أنه تراث إسرائيلي.‏ وكذلك ارتداء (رؤوفيه روبين) أول سفير لإسرائيل في دولة رومانيا الزي الشعبي الفلسطيني باعتباره زياً توراتياً، وارتداء الإسرائيليات فستان العروس الفلسطينية ببيت لحم المعروف بـثوب الملكة. ولم تسلم النباتات الفلسطينية والعربية من القرصنة الإسرائيلية، حيث اختارت زهوراً برية ونباتات فلسطينية لتمثيلها في حديقة الورود التي أقامتها الصين بمناسبة استضافتها للألعاب الأولمبية في العام 2008، خاصة زهرة قرن الغزال وزهرة شقائق النعمان وشجرة الزيتون، لتثبت باسم إسرائيل في حديقة الصين. أما عن سرقة المأكولات الفلسطينية فحدّث بلا حرج عن اللصوصية الإسرائيلية التي وصلت إلى حد المشاركة في المهرجان السنوي للمفتول المنعقد بمدينة سان فيتو لوكار الإيطالية عام 2000 لتفوز بالجائزة الأولى لأحسن طبق مفتول، وكذلك المشاركة في مسابقات عالمية أخرى للطهو بالأطباق الفلسطينية وتسويقها معلبة أو تقديم هذه الأطباق في المطاعم العالمية على أنها أكلات شعبية إسرائيلية. وفي الافتراء نفسه تظهر الفرق الفولكلورية الإسرائيلية في الحفلات العالمية بالزي الشعبي الفلسطيني وتؤدي رقصة الدبكة وتعزف الشبابة والأرغول وغيرها من الألحان الفلسطينية والعربية الأصيلة والشهيرة جداً ولكن بلكنة عبرية، مثل أغنية الدلعونا. كما سعت إسرائيل إلى الاستحواذ على الأثواب المزركشة القديمة لأرشفتها في الموسوعات العلمية، لعرضها في المعارض العالمية على أنها تراث إسرائيلي، في قرصنة واضحة للملبس الفلسطيني التقليدي الكامل من الزنانير والكوفية المطرزة في خطوط الموضة إلى التصميم لبيوت الأزياء العصرية الإسرائيلية. (مصدر سابق) وما ساعد على ذلك تسرب تلك الملابس القديمة مع كثير من النحاسيات والصكوك المعدنية، ومصنوعات الفخار، وأدوات زجاجية تراثية، ومنتجات فنية، إلى المتاحف الإسرائيلية لتنضم إلى ما يسمى بالتراث الشعبي الإسرائيلي لتعرض على أنها آثار العبريين القدماء، بعد احتلال فلسطين والاستيلاء على مقدراتها. (مصدر سابق) أما في مجال التراث الشفوي فقد انتحل الإسرائيليون الحكايات الفلسطينية والعربية، ويذكر الدكتور منعم حداد أنه حتى صيف عام 1986 كان في أرشيف الحكايات الشعبية الإسرائيلية (18500) حكاية كان قد صُنّف منها (11944) حكاية على أنها حكايات إسرائيلية، ولكن منها ما نسبته 65 % حكايات من يهود الدول العربية والإسلامية، ومنها (215) حكاية فلسطينية. في الختام، إن المحافظة على التراث الفلسطيني في وجه كل المحاولات الإسرائيلية المعادية لطمسه وسرقته‏، يعني ضمان الحفاظ على وجودنا واستمراريتنا.. وفي هذا سر بقائنا على هذه الأرض.

مشاركة :