الرواية «1984» للمؤلف البريطاني جورج أورويل صدرت سنة 1949 وتوقعت عالماً مستقبلياً مخيفاً، فبريطانيا أصبح اسمها المدرج رقم واحد وهي في حالة حرب دائمة، والدولة تراقب الناس وتحاول السيطرة على عقولهم، وهناك نوع من عبادة الشخصية، فالحزب الحاكم يرأسه «الأخ الأكبر» وهناك وزارة إعلام اسمها وزارة الصدق أو الحقيقة. فضيحة ووترغيت معروفة بدأت بتجسس رجال في الحملة الانتخابية لريتشارد نيكسون على مكتب للحزب الجمهوري في بناية ووترغيت قرب نهر بوتوماك في واشنطن سنة 1972 وانتهت بإنكار وكذب ومحاكمات وسجن، واستقالة نيكسون سنة 1974. ماذا يجمع بين الرواية والفضيحة؟ كل منهما يتعلق ببلد واحد، واليوم أجد في الولايات المتحدة فضيحة أكبر كثيراً، لأنها تتجاوز الحدود الأميركية لتلف العالم كله، فإدارة باراك اوباما لم تكتف بالتجسس على الأعداء والخصوم والمنافسين وإنما تنصتت على حلفائها، فكان أن البرازيل وفرنسا والمانيا وايطاليا واسبانيا وبلداناً كثيرة أخرى احتجت وطلبت تحقيقاً، والاتحاد الأوروبي يريد اجتماعاً مع الأميركين قبل نهاية السنة لمراجعة فضيحة التنصت. هذه فضيحة مجلجلة، أو بأجراس كما يقال بالعامية اللبنانية. التنصت كان من فوق لتحت، فكما تجسس الأميركيون على المكالمات الخاصة للمستشارة انغيلا مركل فهم تجسسوا ايضاً على مكالمات مواطنين من اميركيين وغيرهم. وقرأت أن وكالة الأمن القومي تنصتت في أول شهر من هذه السنة فقط على 124.8 بليون مكالمة «موبايل»، وبين الدول التي تهم القارئ: العراق 7.8 بليون مكالمة، والسعودية 7.8 بليون، ومصر 1.9 بليون، وايران 1.7 بليون، والاردن 1.6 بليون. إدوارد سنودن الذي عمل داخل وكالة الأمن القومي خرج منها وقد سجل 30 الف وثيقة سرية، وهو يسربها تباعاً، فنشرت «الغارديان» الأسبوع الماضي وثيقة منها تتحدث عن التجسس على 35 رئيس دولة كانوا بين 200 زعيم عالمي سلّم مسؤول أميركي كبير أرقام هواتفهم الى وكالة الأمن القومي. وقرأت بعد ذلك أن سنودن يملك وثائق تدين بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة وتظهر أن أجهزة الاستخبارات فيها تعاونت مع أجهزة الاستخبارات الأميركية في نشاط غير قانوني ضد مواطنين من هذه الدول. ثم أقرأ أن محكمة أميركية دانت شاباً بريطانياً بالتجسس على وكالات عسكرية اميركية، وتريد من بريطانيا تسليمه اليها... يعني تجسسوا على العالم ويطالبون بإنكليزي فعل واحداً من بليون مما فعلوا. عندما أقرأ عن الولايات المتحدة هذه الأيام أشعر بأنني امام دولة من العالم الثالث تقمع مواطنيها، وادارة اوباما تلاحق صحافيين محققين، مثل واحد من «نيويورك تايمز»، وثانٍ من «فوكس نيوز»، وآخرين من وكالة «أسوشييتد برس». الإدارة تريد أن تمنع المراسلين من متابعة التنصت وأسأل هل كان نجح بوب وودوارد وكارل بيرنستين سنة 1972 لو ان ادارة نيكسون كانت تملك القدرات التكنولوجية الحالية لاضطهاد الصحافيين المحققين؟ الأميركيون تنصتوا على هاتف المستشارة مركل، بل قرأت ان الرئيس باراك اوباما هو الذي سمح بذلك، ثم قرأت انه لم يكن يعرف بالتنصت على قادة الدول، وهناك وثائق أميركية تظهر أن إسرائيل هي التي تنصتت على هاتف الرئيس فرنسوا هولاند. ويبدو أن المستشارة مركل ساذجة، فقد سهلت التنصت على هاتفها، وهذا بدأ حسب الوثائق الاميركية سنة 2002. وقرأت أنها استعملت على مدى اربع سنوات هاتفاً واحداً من نوع «نوكيا» ولم تنتقل الى هاتف متقدم «ذكي» من نوع «بلاكبري» الا في تموز (يوليو) الماضي. ما اخشى بعد كل ما سبق ان تجد الدول الكبرى حلاً يحفظ لكل منها حقه، فتركز بعد ذلك علينا لأن حقوقنا مستباحة. khazen@alhayat.com
مشاركة :