يستمرّ الشغور الرئاسي في لبنان في إنتاج الأزمات وتصديرها إلى المؤسّسات الدستورية تباعاً، حيث أصاب من جديد الحكومة المترنّحة والتي قرّر رئيسها تمام سلام التريّث في دعوتها إلى الاجتماع، من دون أن يعني ذلك أن تعليق الجلسات سيكون مفتوحاً. يأتي ذلك في انتظار توضح المسار الذي ستسلكه إشكالية التعيينات الأمنية، بعد قرار رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون رفض الخوض في أيّ بند على جدول الأعمال قبل تعيين قائد جديد للجيش. وبينما لا يزال لبنان من دون رئيس للجمهورية لليوم 383 على التوالي، بدأت مفاعيل الشلل الحكومي تظهر في المفاصل الاقتصادية والمالية في البلد، وبرزت مخاوف إضافية بسبب اقتراب موعد تسديد استحقاق دين على الدولة بقيمة 500 مليون دولار، يحتاج إلى إصدار مالي لاستبداله. وبما أنّ الحكومة لا تجتمع لتوافق على الإصدار، وكذلك المجلس النيابي، تقرر أن يتمّ دفع الاستحقاق من احتياطي الموازنة. ولكنّ هذا الإجراء لا يمكن أن يحلّ مكان الإصدار. كما حذّر وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس من انكماش اقتصادي عام، وشلل يصيب البلاد، بسبب وقف الإنفاق العام، في حين نبّه وزير المال علي حسن خليل إلى أن كلّ الرواتب باتت في خطر. مناخات غير سليمة ووسط قلق شعبي من الفراغ الرئاسي والتعطيل التشريعي، استفحل القلق بفعل المخــاوف مــن الشلل الحكومــي. وما يزيد القلق ليس عدم الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء الذي يمكن أن ينعقد في أيّ يوم، وإنما الشروط المولّدة لمناخات غير سليمة في الجلسات الوزارية. وفيما بات في حكم المؤكد أن جلسة مجلس الوزراء لن يكتب لها الانعقاد في موعدها الأسبوعي اليوم، في ضوء عدم توجيه الدعوة إلى الوزراء، إفساحاً في المجال أمام حركة الوساطات علّها تفلح في فك العقدة العونية، أكدت أوساط سياسية لـالبيان أن تريث سلام ناجم عن عنصرين أساسيّين: عدم رغبته في الدخول في سياسة التحدّي مع أيّ فريق في الحكومة وامتحان مدى استعداد وقدرة من يلوّحون بالتعطيل بالمضيّ حتى النهاية في قرار شلّ آخر المؤسّسات الدستورية العاملة في الدولة، ومعرفة مدى التزام فريق 8 آذار بقــرار التعطيل وما إذا كان شمولياً أم مقتصــراً علــى فريــق دون آخــر. إبقاء التوازنات واستناداً إلى مصادر مقرّبة منه، فإن رئيس الحكومة لا يرغب في ضرب التوازنات السياسية أو عدم مراعاتها، إلى وقت يصبح فيه من الضروري عقد مجلس الوزراء ضمن صلاحيات المادة 65 وعلى قاعدة الانفتاح، ولكن من دون أن يؤدي ذلك إلى شلّ الحكومة أو تعطيلها. وهذا الاعتبار، وفقاً للمصادر نفسها، هو الذي دفع الرئيس سلام إلى التريث وإرجاء الجلسة التي كانت مقرّرة اليوم. وفيما يتريّث رئيس الحكومة في دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، إفساحاً في المجال أمام مزيد من الاتصالات للخروج من المأزق الحكومي، طالب تكتّل التغيير والإصلاح بأن تنعقد الحكومة في هيئة مجلس الوزراء لكي تمارس حقوقها الدستورية ولا تنكفئ، مؤكّداً أنّه لن يسمح بأن تجتمع لمخالفة الدستور والقانون أو أن تسمح لوزراء فيها باختزال صلاحياتها. واعتبرت مصادر تكتل التغيير والإصلاح أن فصل المسارين المتعلّقين بإجراء التعيينات الأمنية والانتخابات الرئاسية يسهّل الحلّ، في ما يخصّ التعيين ويؤمّن عودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، وأكدت لـالبيان أن وزيرَي التيار الوطني الحر لن يقاطعا مجلس الوزراء، لكنهما يشترطان الحديث أولاً بملف التعيينات. المعطّل واحد أعربت كتلة المستقبل النيابيّة عن أسفها كون الطرف السياسي الذي يتسبّب بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية هو ذاته الطرف الذي يعمل الآن على تعطيل عمل الحكومة، وأشارت إلى أن المفارقة العجيبة في سلوك هذا الطرف كونه يدّعي أنّه ينطلق من حرصه على موقع رئيس الجمهورية ودوره وصلاحياته والأعراف المتعلقة بمهمّاته، ويجرّده في الوقت نفسه من كثير من أدواره، ومنها المشاركة الفعّالة في اختيار قائد الجيش، كون الرئيس هو أيضاً القائد الأعلى للقوات المسلّحة.
مشاركة :