أمي ليست إماراتية.. لكنها لا تزال أمي

  • 6/12/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لا شك في أن من يتابع كتاباتي يعرف الكثير عني شخصياً. ومن يعرفني يعلم أنني لا أجد غضاضة في نشر أمورٍ تخص عائلتي والأشياء التي تحفزني والتحديات التي أواجهها، والأفكار التي تساورني عن المجتمع. كما أنني أشعر بسعادة غامرة في مشاركة هذه القصص مع القراء. وأنا أعلم أنني في موضع مسؤولية يُحتٍم علي مناقشة القضايا المجتمعية التي تخالف القيم التي أعتز بها، أو التي تمس بقرائي أو الناس الذين أحبهم. في اجتماع المجلس الوطني الاتحادي مؤخراً، طالب أحد الأعضاء بتعديل القانون بحيث تُمنع الأم غير الإماراتية من حق حضانة أبنائها في حالة طلاقها من زوجها الإماراتي، مشيراً إلى أن زواج الإماراتيين من نساء من الخارج يحمل في طياته العديد من التبعات التي لا تُحمد عقباها على المجتمع، يتمثل أهمها في الثقافة، وكيف أن مثل هذه القوانين ضرورية لحماية الهوية الوطنية. وذهب أيضاً إلى القول إن النساء غير الإماراتيات يرغبن في الزواج من الإماراتيين للاستفادة من الخدمات التي توفرها الحكومة لمواطنيها، وهي الخدمات التي تزيد كلما زاد عدد أبنائها، وهو ما اعتبره حافزاً لها للإبقاء على حضانة الأطفال في حالة الطلاق. وكما تعلمون جميعاً فإنني أعتز بكوني إماراتياً، وأعتز أيضاً بالحب الذي أُكنه لبلدي وقياداتي وشعب دولتي الذي أعتز به بما لا يقل عن حبي لعائلتي. وقد حالفني الحظ بأن أكون مواطناً لأبٍ إماراتي وأمٍ اسكتلندية، وكنت محظوظاً للغاية بأنني لم أشهد أبداً تفعيل مثل تلك القوانين خلال مدة طفولتي التي تربيت فيها محاطاً بالاستقرار والحب والجو الأسري. حاولت جاهداً تفادي كتابة رأيي في الوقت الذي كنت فيه مفعماً بالمشاعر، بيد أن رسالتي تفرض علي إبداء رأيي بموضوعيةٍ تامة، وأن أكتب ما أراه مناسباً لا سيما عن والدتي. عند قراءتي للمادة التي تبناها أحد أعضاء المجلس الوطني الاتحادي في قضية النساء والأمهات غير الإماراتيات، فلكم أن تتصوروا كم كان صعباً علي تخيل ما كان سيحدث لو انفصل أبواي عندما كنا صغاراً أنا وإخوتي، وكم كان ليكون صعباً المرور بمثل تلك التجربة، ناهيك عن النظرة الاجتماعية التي ستفرض كلمتها عمن يجب أن نتربى في كنفه منهما بناءاً على الثقافة والهوية الوطنية عوضاً عن الحب وتعلقنا بأي منهما. فلنسلم جدلاً أنه تم تعديل القانون، وأضحت الأمهات غير الإماراتيات مجرداتٍ من حقوقهن في حضانة أبنائهن، وانتهى الحال بالأبناء إلى البقاء مع والدهم في الإمارات، فحينها أعتقد أن جميعنا سيهلل و يتغنى بأن تمكنًا من حماية هويتنا الوطنية في شكلٍ سيبدو عليه أنه مجرد ثمنٍ بخسٍ لأن يكون هنالك أبناء لا ينعمون بحنان أمهم. ويتبادر إلى ذهني هذا السؤال: هل هي الصورة التي نود إيصالها لأبنائنا وبناتنا الإماراتيين من أمهات أجنبيات؟ هل يجب أن يشعروا بأن أمهاتهم غير الإماراتيات ليسوا ذوات أهمية في المجتمع وأنهن لا يتمتعن بحقوقهن القانونية كاملة؟ كلا، فهن يستحقن أحسن من ذلك. هنالك أمر آخر لم استوعبه، وهو الافتراض المتأصل لدى عضو المجلس الوطني الاتحادي بأن النساء الأجنبيات يرغبن في الزواج من الإماراتيين للتمتع بالخدمات والامتيازات المتوفرة لأزواجهن. ومن هذا المنطلق أقول هل أن مجرد التفكير في أن علاقة حبٍ جمعتهما وقرارهما قضاء العمر سوى ضرب من الخيال؟ لماذا يصعب تصديق ذلك الأمر؟ ومرة أخرى، وإذا كان ذلك ما يقوله عضو بالمجلس عن الأمهات الأجنبيات، فما الذي سيفكر فيه الإماراتيون والإماراتيات من أم غير إماراتية؟ أن أمي تزوجت أبي لأغراض مادية فقط؟ كلا، فهن يستحقن نظرة أرقى من تلك. وللخوض في هذه المسألة بشكل أعمق من وجهة نظر أخرى، فماذا إذا رغب الزوج الإماراتي في الانفصال عن زوجته الأجنبية لذنبٍ لم تقترفه ومن دون أي أسباب؟ ولماذا يتحتم عليها دفع الثمنِ بألا يظل أبناؤها تحت رعايتها؟ فكونها ليست إماراتية فذلك لا يعني أنها ليست أماً، فهي تحب أبناءها وتبكي لآلامهم كأي أم أخرى. وتكمن المشكلة هنا في أنه وخلال محاولتهم التشديد على مسألة الأمهات غير الإماراتيات فإنهم نسوا أنه وبعد الخوض في هذه المسألة حتى نهايتها فإن تلك الأجنبية لا تزال أماً تغمرُ أبناءها بالحب والرعاية. لقد ترعرعت هنا في الإمارات متمتعاً بطفولة أقل ما توصف أنها رائعة. وقد كنت أنا وإخوتي سعداء جداً بأن تربينا في بيت يضم أبوين من جنسيتين مختلفتين، حيث إنهما لم يبخلا علينا بالحب والرعاية، بل إنهما لم يُشعرانا حتى بأنهما مختلفان عن بعضهما البعض، والأهم من ذلك كله أننا لم نلق بالاً لفكرة ألا نتمكن من البقاء مع أمنا إذا لم تسر الأمور بما تُحمد بين والدَينا، وهو الخوف الذي يجب ألا تعيش أمٌ أو طفل تحت وطأته. واليوم فإنني متزوج من إماراتية رزقني الله منها خليفة وعبدالله، ومن حين لآخر نتبادل الزيارات مع والدتي وجدتهم، وإنني أريد أن يعرف أبنائي كل تفاصيل ثقافتنا وأصولنا ومنشأنا. وكل ما أرغب في أن يراه ناظراي أن أشهد يوماً يكونون فيه مساهمين فاعلين في المجتمع، وأن يساهموا في جعل هذا البلد مكاناً أفضل، وأن يردوا جميل بلدهم الذي قدًم قيم العائلة والحب على التربية، وهي الطريقة المثلى التي نحمي بها هويتنا الوطنية بأن نحمي أمهاتنا أولاً ليكونوا جزءاً أصيلاً من المجتمع. خالد العامري

مشاركة :