حين تأتي سيرة أمي تقف كلماتي خجلى، هل وفيتها حقها؟ تتداخل الحروف ويتسارع نبض قلبي إنْ أتحدث عنها، فما أنا إلا كلها ونبع رحمتها وفيض عطائها، إنْ كان في الدنيا راحم كانت هي، وإن أظلمت خطوب أويت إليها فتتلقاني فرحة باسمة، تنظرني بعين ملؤها الحب وتدثرني غطاء فضل، كل شخص من الناس إنْ أعطى يمنُّ إلا هي، قال القائلون في الأم مقالتهم، وهتف الشعراء من منابرهم تحية وفاء لها، فما بلغوا نصفه ولا قاربوا منها مدحه! فما أجمل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وحديثه عن الأم.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجلٌ إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أبوك»، متفق عليه. جعلوا لها يوماً يعتادونه تحية وبرا، وما بين معارض يراه بدعة قوم قصروه على يوم بعينه، ومؤيد نصب ساعاته المعدودة في يومه ليفي لها ويقدم يد العرفان، إن كان مقصراً ومعاهداً ربه على برها ووصلها! يقف المرء بين الرأيين تارة مؤيدا لمن رآه حجود يوم، وسعيداً في أخرى إن وجد في الناس من يذكر أمه! رفقاً يا قوم فما الحب ساعة ولا الوفاء ذكرى، وما الحب أن تفي لمن كانت لك حاملة في بطنها، مؤثرة صمتها وآلامها، لتهب من الله الحياة! حنانيكم لا تتركوا أمهاتكم في بيوت عجزة، ثم تؤثرون خليلات في ميعة الصبا! تقف الأيام شاخصة ترنو بعين مقرحة، إنْ جاء يوم عيد للأم نحتفل فيه برمز الحب ونبع العاطفة، نتخفف فيه من تبعة الإهمال، نتغلب على جمود العاطفة، نرد لها بعض الدين على قلته لتلك الطيبة خلقاً والمؤنسة حباً، يالها من ومضة طيف في سماء ملبدة بثقل الحمل. البعض يظن أن يوم الحادي والعشرين من مارس هو أن نقر لها بالجميل، ونقدم إليها باقات الورود، أو ربما قبلنا منها اليد في لفتة حانية، لكن ما ضر لو كان العام كله عيدا للأم وأن نستلهم هدي القرآن الكريم حينما قال «وَوَصَّيْنَا الانسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ» ونتمثل فعل الحبيب صلى الله عليه وسلم في بره بأمه، فكان يذكرها ويقف على قبرها، ومجمل وصاياه تحية إجلال بالأم وحفظ عهد لمن حملت كرهاً ووضعت كرها. أيليق بمن كانت له أم أنْ يهجرها، ناهيك عن أنْ يقسو فيقاطعها؟ وما الرحم إلا معلقة بأبواب السماء، تدعو لمن وصلها، ليكن لكم في رسولكم البر والوفاء، وفي كتاب الله التمسوا حسن التوجيه وعماد الخلق ترقوا في مصاف الإنسانية وتسعدوا! صبري شوقي
مشاركة :