أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث، قسم اللغة العربيّة والدراسات الإسلامية، كلية الآداب.dheyaalkaabi@gmail.comفي اللجنة الثقافيّة لكلية الآداب بجامعة البحرين التي أشرف برئاستها كنا نشتغل باجتهاد وإبداع لإقامة حفل تكريمي يليق بهرم أدبيّ وثقافيّ ورياضيّ عريق هو معالي الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة. لقد كان رهاننا هو عطاؤه وإنجازاته الاستثنائيّة الكبرى، وتلك المحبة العظيمة التي غرسها في قلوب الجميع: لقد أجمع الكلّ على محبة هذا الرجل المعطاء الذي عشق البحرين ورسم خرائطها في قلبه باشتياق «الزينة» البحرين وبوله فرجان المحرق وأزقتها العتيقة وصفاء الرفاع الشامخة «رفاعية عرفتج من صفا لونج». كنا نجتمع أنا ونخبة من أساتذة كلية الآداب بحثًا عن الجميل الذي يليق بقامة هذا الرجل البحرينيّ الأصيل. وزعنا الأدوار وكلفنا الزميلة العزيزة الدكتورة سمر الأبيوكي بجمع كلَّ ما تجده من أرشيف تلفزيوني في قناة البحرين التلفزيونية «البحرين لول»، وبالفعل أنجزت العزيزة سمر هذه المهمة بإتقان، وجاءتني محمّلة بأرشيف يشمل كلَّ ما يخص المرحوم الشيخ عيسى بن راشد. وتلا هذه الخطوة اجتماع آخر مع اثنين من خيرة أساتذة قسم الإعلام والسياحة والفنون «الدكتور محمد السيد المختص في إنتاج الأفلام الوثائقية والدكتورة أماني الحلواجي. لقد كان اتفاقنا أن أتولى أنا كتابة سيناريو الفيلم في حين يقوم الدكتور محمد السيد والدكتورة أماني الحلواجي من خلال توجيه طلابهم بمونتاج الفيلم. في حين كلفتُ الأستاذ سامي المحجوب بالتواصل مع نادي الموسيقى في جامعة البحرين كي يقوم كورال الطلبة بغناء بعض قصائد الشيخ عيسى بن راشد التي تحوّلت إلى أغانٍ غناها كبار المطربين مثل أحمد الجميري ومحمد علي عبدالله وغيرهما. وقد اقترح عميد الكلية الدكتور عبدالعزيز بوليله استضافة الفنان أحمد الجميري الذي غنى قصائد رائعة للشيخ عيسى بن راشد». كان التكريم والاحتفالية سيكونان في أوائل شهر مارس من هذا العام، وكنتُ أتخيل ذلك الازدحام الكبير الذي سيكون من الطلبة وهم مقبلون بلهفة على هذا الحفل.. تدفعهم محبة استثنائية لرجل وطني أجمع الكلّ على حبه، ولكن تشاء الأقدار أن تسوء الحالة الصحية للمرحوم وتتدهور ويدخل غرفة العناية المركزة، ويخبرنا أحد أصدقائه المقربين بضرورة إرجاء هذه الاحتفالية الآن. وصلني خبر الرحيل وأنا في اجتماع عمل مسائي، ولمّا أخبرتُ المجموعة التي كانت معي نبأ رحيل المرحوم لم أسمع سوى نبرات حزن وأسى عميق صادق. الشيخ عيسى بن راشد العاشق الصادق في نبرة صوته وفي تعابير وجهه وخلجاته وسكناته.. كان صادقًا إلى درجة الحساسية الاستثنائية المرهفة جدًا. عندما يتحدث عن الوطن بلهفة اشتياق كنا نستحضر معه ذاكرته وكأننا نعيشها معه، وعندما كان يدوّن بأشعاره نبضات قلبه كنا كذلك نكاد نسمع معه تلك الدقات وذلك الوجيب! كان شاعرًا ببلاغة استثنائية تمثّلت في عفوية الكلمة وبساطتها ودفئها وطاقاتها الشعورية العالية. رحم الله الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة عاشق البحرين، وأسكنه فسيح جنانه، «إنَّا لله وإنّا إليه راجعون».
مشاركة :