الولايات المتحدة وخيار القوة «الصلبة» أو «الناعمة»

  • 6/12/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الحرب على تنظيم داعش في العراق، تسببت في تراجع الدور السياسي للولايات المتحدة في تعيين مسارات الأحداث في هذا البلد. فنبرة التصريحات التي تصدر عن بعض السياسيين العراقيين، تزداد ارتفاعاً وحدة في النقد، بل الانتقاص من دورها في محاربة هذا التنظيم. في هذا السياق، تثار الكثير من التساؤلات حول جدوى الاستراتيجية المتبعة في محاربة الإرهاب.. وحول مدى النجاح المتوقع من الاستمرار بانتهاجها، خاصة بعد أن تبين أن ما يقرب من 75 في المئة من الطلعات الجوية ضد تنظيم داعش، تعود من غير تنفيذ مهامها. لنرجع بضعة سنوات إلى الوراء، فعلى هامش منتدى دافوس في سويسرا عام 2003، بعد الغزو الأميركي للعراق، استغل جورج كاري أسقف كانتربري الأسبق، وجود وزير الخارجية الأميركي كولن باول، ليتوجه إليه بالسؤال التالي: لماذا تركز الولايات المتحدة على استخدام القوة الصلبة بدل القوة الناعمة؟. أجاب باول قائلاً، إن الولايات المتحدة احتاجت قوتها الصلبة لتربح الحرب العالمية الثانية، إلا أنها لم تستخدم هذه القوة لفرض نفوذها على أي بلد أوروبي، بل عمدت إلى استخدام قوتها الناعمة في ما بعد لإعادة بناء أوروبا في مشروع مارشال، وهذا ما صنعناه في اليابان أيضاً. لعل من المفيد اختبار مدى صحة ما ذهب إليه الوزير الأميركي في الحالة العراقية، خاصة أنه كان من فرسان عملية غزو العراق، حين قدم حججاً أمام مجلس الأمن الدولي، اعترف هو بالذات في ما بعد، بأنها كانت واهية. فقد جرى احتلال العراق خلال موجة الهستيريا التي انتابت الأوساط السياسية في الولايات، بُعيد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها في الحادي عشر من سبتمبر 2001. الولايات المتحدة لم تستطع، وربما لم ترغب، في توظيف قوتها الناعمة في العراق، كما وظفتها في أوروبا وفي اليابان عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وذلك للفارق الكبير بين الحدثين زمنياً ومكانياً وسببياً. فالولايات المتحدة لم تلجأ إلى مد يد العون لأوروبا تطوعاً فحسب.. كما ادعى كولن باول، بل بدافع الحس الأمني والقلق على مصالحها. فقد أعلنت عن مشروع مارشال لإعادة بناء أوروبا في يونيو 1947، في حين انتهت الحرب في مايو 1945، وقد لجأت لذلك حين بدأت الأوضاع المتردية في ألمانيا تشير إلى احتمال وقوعها في قبضة المعسكر الاشتراكي، الذي كانت الولايات المتحدة تخشى نفوذه.. وتقلق أشد القلق من توسع هذا النفوذ. أما في العراق، فالأمر مختلف كلياً، فحقبة الحرب الباردة كانت قد انقضت، ولم تكن هناك دولة تخشى الولايات المتحدة من وقوع العراق في براثنها، فهذا التنظيم داعش، قد ولد لاحقاً، حيث كان الغزو الأميركي هو السبب الرئيس لولادته. ومع تجاهل الساسة الأميركيين الربط بين غزو بلادهم للعراق وميلاد تنظيم داعش، إلا أن الرئيس أوباما قد اعترف بذلك صراحة، حين صرح لموقع فايس في الثامن عشر من مارس المنصرم، قائلاً إن تنظيم داعش هو ثمرة مباشرة لتنظيم القاعدة في العراق، التي انبثقت من غزونا له، وبالتالي، فالتنظيم مثال للتبعات غير المقصودة للحرب. فحين أسقطت الولايات المتحدة، النظام السياسي السابق في العراق، راح ضحية ذلك أعداد كبيرة ممن ترى فيهم الولايات المتحدة أعداء لها، أو ربما مجاميع جاهزة للانخراط في المنظمات الإرهابية، إلا أنها لم تستطع الادعاء بأن ذلك قد قلل من مخاطر الإرهاب، لأنها كانت تفتقر لرؤية سليمة لمرحلة ما بعد إسقاط النظام في بلد شديد التعقيد اجتماعياً وثقافياً وسياسياً. إن الأخذ بخيار القوة الصلبة، الذي كان من سمات سياسة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، قد لاقى بعض الاعتراضات داخل الحزب الجمهوري، الذي ينتمي إليه الرئيس، نذكر على سبيل المثال، موقف النائب الجمهوري البارز نيوت غنغريش، حين تساءل، معلقاً على سياسة الرئيس في العراق، إن المفتاح الحقيقي ليس في عدد الأعداء الذين أقتلهم، بل في عدد الحلفاء الذين أكسبهم. فهل كسبت الولايات المتحدة حلفاء جدداً جراء غزوها للعراق؟، وهل استخدمت قوتها الناعمة كما استخدمتها في ألمانيا واليابان في إعادة بناء الدولة العراقية؟، الجواب عن ذلك بكل تأكيد، هو كلا في الحالتين، بل العكس هو الصحيح. فقد بدأ حلفاؤها الاستراتيجيون في المنطقة يتوجسون أمنياً منذ ذلك الحين، من سياساتها التي قد تهدف إلى تقويض النظام الإقليمي وتوازناته القائمة، بل إن الأمر ذهب إلى أبعد من ذلك.. فحلفاؤها الجدد في العراق، الذين أتوا للسلطة بفعل غزوها للبلد، بدؤوا ينفضون أيديهم منها، ولا يطيقون رؤية قواتها على الأرض العراقية، بل لا يرغبون في مشاركتها في الضربات الجوية ضد مواقع تنظيم داعش. من جانب آخر، فشلت في بناء دولة مستقرة قادرة على الوقوف على قدميها، ونظام سياسي لديه من المناعة ما يكفي ليردع قوى الإرهاب. ما حمله الدبلوماسي الأميركي من قوة ناعمة للعراق، أقل كثيراً من حيث الكم، وأضعف كثيراً من حيث النوع، مما حمله العسكري من قوة صلبة، فالتوليفة السياسية التي رعتها الولايات المتحدة في العراق منذ سقوط النظام السابق، لم تسهم في تعزيز ما أنجزته عسكرياً، فالإرهاب ليس أضعف مما كان عليه قبل الغزو، والعراق الجديد هذا اليوم، ليس أكثر استقراراً وأفضل أمناً مما كان عليه في أي وقت طيلة السنوات التي أعقبت الاحتلال.

مشاركة :