«الصراصير لا تتقزز من بعضها البعض»

  • 6/13/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

في الرواية الصادرة حديثاً للشابة البحرينية خديجة السلمان عن دار نوفا بلس للنشر والتوزيع 2015 والموسومة زينة البنات تجد القضايا المجتمعية الخاصة بالنظرة للمرأة حاضرة بكل طاقتها والتي تخلق الصراع الدائم بين قيد الأعراف والتقاليد وكسرها أو بأقل الممكن- التمرد عليها. السلمان تكثف رؤيتها حول عائلة أبناء يوسف وهي ممتدة من العمات والخالات وتسكن البيت الكبير. تبدأ بقضية بدر لـ زينة هذه التسمية التي تحاربها زينة لتثبت مدى السلبيات التي تكتنف زواج الأقارب، مبينة عبر بحث علمي أن النتائج وخيمة، ويساعدها في التخلص من هذه التسمية التقرير الطبية الذي يثبت أن الارتباط يؤدي لإنجاب أطفال يحملون أمراضا وراثية. تتعلق بعدها زينة بـ أمير وهو قريبها أيضا لكنها تغرم به ويغرم بها بشكل عفيف جداً، إلا أن الغيرة تشب في ابنة عمتها بشرى التي تلعب ألاعيبها لتفرق بين الإثنين بمكائد شتى وتنجح في ذلك، لترتبط زينة بشخص آخر تكتشف سوء معاملته وتنفصل لتتكشف بعدها كل ما قامت به بشرى في التفريق بين الحبيبين ليجتمع شمل أمير وزينة. أن تقرأ العمل الأول لكاتب ما، أنت تضع نفسك في مكانه، ليس عليك أن تطلق أحكاماً رحيمة أو قاسية- ولا أن تشحذ شفرات المشارط، ليس عملك أن ترتّق الجرح، بل أن تعاينه وحسب، تتمعن في غزارته، لزوجة دمائه، وتفكر في الآلة الحادة التي تسببت به، ثم تنقل كل مشاهداتك، بأمانة ومحبة أيضاً. ليس ثمّة مدرسة، ولا جمعية، ولا كيان فعلي يختص بمهمة الاشتغال على الأعمال السردية، لا من قبل ولا من بعد، لذا يشترك الجميع في مستوى الأعمال التي تظهر بشكل فردي ورغبة ذاتية محمودة لكن يكتنفها الكثير من قلة الوعي. في رواية زينة البنات بها جهد حثيث لكتابة رواية مشوقة وذات مغزى، وهو جهد يستحق التشجيع، الكتابة عملية لا تصل لدرجة الاكتفاء، والأعمال المحكمة لا تتوفر دائماً، في هذا العمل تجد الراوي العليم يفتقر لأبسط الأسس المهنية لعملية السرد، تجده يطلق الأحكام، وتجده ينحاز بشكل فاضح للترويج لأفعال البطلة دون أن يترك متسعا للقارئ أن يقرر ويحكم هو، هذه سقطة يقع بها الكثيرون لسبب بسيط جداً، وهو عدم القراءة بشكل جيد، القراءة تعلمك الكثير -قراءة الأعمال الجيدة- كفيلة في ظل عدم وجود مؤسسة تأخذ دور التوعية الإبداعية وشح العملية النقدية، القراءة الواعية تعلمك، شرط أن تكون راغباً بأن تتعلم، الاستمتاع بالعمل أمر والتعلم منه أمر آخر. اللغة في الرواية تتنقل بين الاعتيادية لدرجة الحكي وبين التكلّف لدرجة الإسفاف، ويمكنني أن أتصور أن الكاتبة تشاهد أكثر مما تقرأ بسبب الدراما داخل العمل الذي ينتمي لتكنيك المسلسلات، ليس ذلك سلبياً، الأمر كله منوط بعملية الإيصال باللغة التي تتناسب، اللغة التي تفعل فعلها لتحويل الأشياء العادية لمدهشة وكأننا نتعرف عليها لأول مرة، الإشتغال على اللغة يجب أن تكون من الأولويات لمهمة الكتابة السردية. المكان كان غائباً فعلياً، أنت لا تعرف الوطن لأنه يرد هكذا ولمرة واحدة، أنت لا تعرف لماذا يبدأ الفصل الأول في الطائرة العائدة من لبنان، لكنك تعرف تماما سبب الرحلة الذاهبة لهناك في ختام الرواية. الزمن مبهم تماماً وليس من أحداث خارج هذه العائلة لتستشف منها زمن الأحداث. التناقض في الكثير من القضايا التي لا تستقر، فحين يتم ذم زواج الأقارب يتم أيضاً ذم الزواج من أجنبيات، ثم بعد كل ذلك يتم الزواج من قريب! وهذا مربك فعلاً لمنطقية الحدث، لا أعني أن تكون الأحداث لزاماً منطقية، تحدث أشياء لا منطقية كثيرة، ما يتوجب هو العمل على إيصالها بشكل منطقي، ليهضمها القارئ.الذاتية المبالغ فيها سواء من الراوي أو البطلة لأنهما لسان واحد، أساء للصورة التي كان يسعى لتصوير زينة بها على أنها زينة البنات، لكننا نجدها مغرورة بشكل فاضح بجمالها وعلمها وثقافتها، يحدث أحياناً أن ترغب بامتداح شخص ما فتسيء إليه دون قصد وهذا ما حدث تماماً دون وعي. يرد في هذه الرواية عبارة جميلة تقول إن الصراصير لا تتقزز من بعضها البعض صــ210ــ ويمكن تأويلها بشكل مؤلم جداً وهو أننا نعتاد الرداءة فلا نرى أنها رديئة وهذا مخيف جداً، مهم جداً أن يبتعد المرء عن دائرته ليرى نفسه في دوائر الآخرين، يتقبل رؤيتهم عنه وعليهم أن يتقبلوا نظرته عنهم، التقوقع في مكان لا يوصلك مهما فعلت لمكان آخر، علينا دائما أن نخرج ونتعلم. وهذه دعوة للكتّاب الجدد الذين تتوهج بهم طاقة الكتابة، والرغبة في صعود المشهد والعمل على ترك أثر، أن يؤمنوا بأنفسهم، ويتمسكوا بما يؤمنون به ويعملون من أجل نجاحه، لا تنتظروا أحداً، لأن أحداً لن يأتي.

مشاركة :