حديثي اليوم عن الثقة.. ماهو هذا المصطلح الذي أصبح يحركنا وأصبحت علاقاتنا تُهدم أو تُبنى بناء عليه؟! ماهي قوة هذه الكلمة التي إذا ما أشرنا على شخص بأنه فاقدها أصبح متخبط كالممسوس؟ وبدأ في سرد ماضيه المحزن والأليم على غيره مبررا لهم أسباب ورواسب مشاعره الضعيفة، وفي المقابل يُصمت الألم الداخلي الذي بدأ بالنبض بمجرد أن وجهت له أصابع الآخرين وكأنهم يتهمونه؟! الثقة وما أدرانا مالثقة؟!! أولا كل شخص يظن أنه واثق من نفسه ويسرح في الأرض ويختال في مشيه، يتحدث بكل حماس وتعالي ويأبى إلا أن يُقنع الآخرون. ولكن لنبحر معه قليلاً ولنرى متى وكيف بدأت معه علامات الثقة وماهي أهم مصادر هذه الثقة أم إذا كانت ثقة حقيقية أم وهم؟! هل مصدرها منصب أو ثروة أو شهادة عليا أو علاقات إجتماعية مزيفة؟! أم مصدرها مشاعره الحقيقية تجاه نفسه وحبه السليم لذاته وإخفاض صوت التفاخر وقبول نقصه وعيوبه والاعتراف بهم؟ هل الثقة هذه بسبب امتداح البعض له أم من نقدهم؟ هل الثقة من تصفيق مزيف أم توجيهات محب؟ الثقة تزرع بداخلنا من الأهل إذا كانوا أيضا واثقين من أنفسهم ومحبين لأطفالهم ومتقبلينهم بدون شروط. لماذا؟! لأن التقّبل أساس جميع أمور حياتنا.. كما أنت أريدك بعيوبك قبل حسناتك من نقصك قبل كمالك من تعتعتك في الكلام قبل بلاغتك وفصاحتك من فشلك قبل نجاحك من خلال دموعك قبل ضحكاتك من قدرتك على أن تكون أنت مهما واجهت رفض مجتمعي أو نقد على أن تكون نسخةمن الآخرين. الثقة تساوي التقّبل،، الثقة تعني أن لا أعطيك ما تريد دائمًا مع معرفتي التامة بأني حين أدير ظهري لن تغدر الثقة أمر عظيم وهي أمانة لا يدركها أصحاب النضج الطفولي المتأخر أو المزيف. الثقة في قلب كل أم لا تخجل من سقوط فلذاتها ولا تهرب من ضياعهم ولا تبدأ بالدعاء على ساعة ارتباطها بمن أبى أن يكون لها نور لأنها تعلم جيدا أنها نور تنير للآخرين. الثقة من أب قوي الحكمة والبصيرة يتقّبل نقصه ولا يغلف هذا النقص بالذكورة، غير متورط بمعتقدات المجتمع التي لا تقوم على أساس ديني بحت. الثقة حتى في أطفالك حين يدافعون عن والديهم ولا يخجلون من نسبهم ولونهم ومنصبهم وعملهم، ويفخرون كونهم هم إرثهم الموروث. الثقة في علاقة الأخوة التي لا تقوم على المصالح والشعور بلذة الإنتصار والمقارنة العقيمة والتفاخر والتحدث بكل فوقية مع بعضهم البعض. الثقة تأتي جيدا بين الأصدقاء حين تكون مبنية على الصدق والتصديق. الثقة عزيزتي القارئة وعزيزي القارئ... هي أمانة هي إحترام هي حكمة هي رؤية هي نضج هي تواضع هي.... تنازلاتٍ غير مؤذية لمعرفتك أنك وضعتها في عهدة الشخص المناسب. لا تحاول أن تجعل الآخرين يستغلون ثقتك لخدمة نقصهم ولإشباع جوعهم. البعض الغير واثق يريد إحتفالا يناسب نقصه ويريد إستخدام ثقتك الكبيرة التي ارتبطت بضعف بصيرتك لقوتك الداخلية. ثقتك ملكك ليست ملك للآخرين كم من شخص ذليل إستطاع أن يقنعك بأفضليته عليك فقط لأنك تحدثت عن نفسك بكل دونية، وأظهرت الإعجاب بكل ما يملك وتغاضيت عن نقصه الظاهر للواعي في حديثه. فرعون كان واثق من نفسه ومستكبرا في الأرض فقط بسبب أمواله وجنده وكان يقتل أطفالا على أعين الجميع حتى يحمي نفسه ولم يجرؤ أي شخص على لومه. وتجرّأ على وصف موسى بالمهين وأن لا شيء له من الملك والأموال مع العلة التي في جسده والآفة التي بلسانه فلا يكاد من أجلها يبين كلامه. وفي المقابل ربيبه موسى نبي الله عليه السلام كان غير واثق حين قتل شخص بالخطأ دفاعا عمن هو من شيعته وهرب لظنه أنه لا شيئ حينها، واستطاع المواجهة حين تقّبل نفسه وعلم أن رسالته أعظم وعاد لمواجهة الجموع الغفيرة فقط بعصا ويد وكان وقوده يقين وإيمان بالله مما ساعده على الإيمان بنفسه. ولم يركن إلى ماضيه وذنب القتل لأنه علم أن هناك روح أعظم من هيكل خارجي وعيوب لم تمنعه من أن يكون كليم الله ورسوله إلى أكبر جبابرة الأرض. نصيحتي لنفسي قبل أن تكون لكم... الثقة تأتي من النقص ليست من الكمال الثقة تأتي من التقبّل ليس من الرفض الثقة تأتي من كونك أنت ليس من كونك الآخرين الثقة تأتي من سقوطك واستمتاعك بهذا السقوط وتقبّله لإيمانك المطلق أن بعد كل عاصفة يتجدد البناء وتنكشف العيوب ونبادر إلى إصلاح هذه العيوب ونحمد الله تعالى أن جعلنا نسقط حتى نبحث عن أمور تزدنا رفعة وثبات.