إنجازات المشروع الإصلاحي في عهد جلالة الملك

  • 3/27/2020
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ارتكز المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى على بعدين رئيسيين، يُمثلان الفلسفة الإصلاحية للمشروع الكبير الذي قاده جلالة الملك المفدى بكل اقتدار.البعد الأول: إصلاح ديمقراطي شامل، تتأكد من خلاله مسألة الحقوق العامة، وسيادة الحريات، وكفالة حقوق الإنسان.جاء الدستور الجديد لمملكة البحرين، ليؤسس لمرحلة جديدة من العصر الإصلاحي الكبير، انطلاقًا من رؤية ميثاق العمل الوطني، وتنفيذًا للإرادة الشعبية المُجمعة على الرؤية السياسية الإصلاحية للمرحلة المقبلة.وكانت الحاجة ملحة لإجراء تعديلات على الدستور نظير مواكبة الرؤية التوثيقية لأبرز ملامح المرحلة الجديدة، وعلى هذا الأساس جاءت فكرة إجراء تعديلات دستورية والتي أتت لتتوافق مع جوهر الإصلاح وروحه، وخاصة البنية التشريعية التي قوامها مجلسا الشورى والنواب.جاء في دستور مملكة البحرين المادة (51): (يتألف المجلس الوطني من مجلسين: مجلس الشورى ومجلس النواب).في المذكرة التفسيرية للدستور (وأهم المزايا التي يحققها نظام المجلسين أنه يتيح الاستفادة من حكمة ذوي الخبرة التي تتوافر في المجلس المعين).كما أن نظام المجلسين بما يتضمنه من توزيع المسؤولية التشريعية بينهما يمثل ضمانًا لحسن سير العمل البرلماني وتحقيقه لمبدأ الرقابة التبادلية بين المجلسين.ولعل الأصل في النظم الديمقراطية أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، لتحقيق المتطلبات الديمقراطية المنشودة، عبر ممثلين للشعب منتخبين، ليحققوا تطلعات وأهداف الشعب، وهذا ما يعرف بالمجلس النيابي (البرلمان)، أو يُسمى في الفقه الدستوري (الديمقراطية النيابية).وقد يكون الأمر بمجلس واحد، يمارس الصلاحيات الموكلة إليه (رقابة) و(تشريعا)، وهذا ما تنتهجه بعض الدول، ويسمى نظام المجلس الواحد.وقد يكون الأمر في بعض الحالات -نظام المجلسين- لاعتبارات داخلية، وتعددات عرقية أو دينية، أو وجود أقليات أخرى، يجب تمثيلها في المجلس المعين.والحق أن نظام المجلسين يعزز ويقوي الديمقراطية، بحيث يكون تمثيلا سياسيا وشعبيا شاملا ومتنوعا، وبذلك تتحقق أسس المساواة (التمثيلية)، والمساواة بين المواطنين.ويرى أنصار نظام المجلسين أن مرور التشريعات المختلفة بغرفتين يحقق ضمانة أكيدة لها، بعد تداولها وتمحيصها، وروح الاطمئنان التي تسود نظير واقعيتها بعد إعادة النظر فيها أكثر من مرة. (انظر: موسوعة العلوم السياسية، محمد محمود، واسماعيل صبري، جامعة الكويت).من حيث الاختصاص فالأصل ديمقراطيًا أن يمارس (المجلسان)، سلطات (السلطة التشريعية)، وخاصة (الرقابة) و(التشريع)، والسؤال والاستجواب، وتقديم مشاريع القوانين وغيرها، إلا أنه في بعض الدساتير، قد تخصص للمجلس المنتخب صلاحيات أوسع، في المسائل التشريعية والرقابية.وعليه، فإن (المشرّع البحريني)، ووفقًا للدستور، قد أوكل (لمجلس الشورى) الموقر، سلطة مناقشة مشروعات القوانين والمراسيم بقوانين، والتي تحال إليه من مجلس النواب، وكذا فإنه أجاز لأعضاء المجلس حق اقتراح القوانين، كما أن لأعضائه حق توجيه الأسئلة المكتوبة للسادة الوزراء على أن تكون إجابات الوزراء مكتوبة أيضًا.ومن مهامه تشكيل لجنة الرد على الخطاب الملكي السامي، والذي يتفضل به جلالة الملك المفدى، إيذانًا بافتتاح كل دور انعقاد تشريعي.وللمجلس الحق في إقرار الميزانية العامة للدولة بما تتضمنه من إيرادات ومصروفات والتي تُحال إليه من قبل الحكومة.كما أن مجلس الشورى يشارك في تمثيل مملكة البحرين في المؤتمرات العربية والإقليمية والدولية، وفي المحافل، عن طريق ممثليه من أعضاء المجلس. (shura.bh). ويمتلك مجلس النواب بحسب (الدستور) و(القانون) و(اللوائح)، حق (التشريع) و(الرقابة).ففي (البعد التشريعي) يحق له مناقشة وسن القوانين واقتراح القوانين، واقتراح حق تعديل بنود ومواد الدستور، وفق ضوابط مخصوصة، ورفض أو الموافقة على مراسيم القوانين، والموافقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.ويتميز مجلس النواب، بمنحه (الحق الرقابي)  وذلك وفق صلاحيات، (الاقتراح برغبة) و(السؤال البرلماني) و(الاستجواب) و(سحب الثقة من أحد الوزراء)، و(تشكيل لجان تحقيق برلمانية) و(مناقشة برنامج عمل الحكومة) و(طلب مناقشة عامة)، وغيرها من المهام والصلاحيات.ولقد شهدت فترة العهد الإصلاحي نهضة ديمقراطية وتشريعية أسهمت بنمو مملكة البحرين سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، كما أسست لبنية تشريعية جعلت مملكة البحرين رائدة في كل المجالات.ففي عقدين من الزمن شهدت المملكة صدور أكثر من (864) قانونًا، و(1659) مرسومًا، و(1032) أمرًا ملكيًا ساميًا.ولعل من أبرز التشريعات خلال تلك الحقب، قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر عام 2002، وقانون مجلسي الشورى والنواب، وقانون تأسيس الجمعيات السياسية، وقانون الانضمام إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتعديلات قانون العقوبات، وقوانين العفو، وقانون الإجراءات القانونية، وقانون حماية المجتمع من الإرهاب، وقانون حظر ومكافحة غسل وتمويل الإرهاب، وقانون المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، وقانون مكافحة الاتجار بالأشخاص، وقانون بتدابير العقوبات البديلة، بالإضافة إلى قوانين أخرى تتعلق بالموافقة والتصديق على جملة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وكذا قانون قوة دفاع البحرين، وقانون الحرس الوطني، وتعديلات قانون الأمن العام، ومرسوم بإنشاء جهاز الأمن الوطني، وقانون إنشاء الصندوق الملكي لشهداء الواجب، وقانون السلطة القضائية، وقانون المحكمة الدستورية، وقانون محكمة التمييز، وقانون القضاء العسكري، وقانون الوساطة لتسوية المنازعات، وقوانين تتعلق بالشأن المالي والتجاري والاقتصادي، وخاصة قوانين (الشركات) و(المصرف المركزي) و(السجل التجاري) و(البورصة) (ومجلس التنمية الاقتصادية) و(احتياطي الأجيال) و(حماية المستهلك) و(تسوية المنازعات والتحكيم التجاري) و(غرفة تجارة وصناعة البحرين) وغيرها، هذا إلى جانب جملة من التشريعات الأخرى في حقول شتى.بالتوازي، فإن ثمة حراكا نيابيا ديمقراطيا في المشهد السياسي البحريني، قاده أعضاء مجلس النواب وكتله المختلفة، لمزيد من اعمال الرقابة، وتفعيل أدوات الرقابة البرلمانية، والتي هي حق أصيل للنواب، يأخذون بها متى شاؤوا أو أرادوا.البعد الثاني: وكان من أهداف المشروع الإصلاحي الكبير إرساء الدولة المدنية العصرية الحديثة، فلا ديمقراطية من دون دولة مدنية.لقد واكب العملية الإصلاحية إنشاء الكثير من المؤسسات العامة والدستورية.- النيابة العامة.- المحكمة الدستورية.- المجلس الأعلى للمرأة.- ديوان الرقابة المالية والإدارية.- معهد البحرين للتنمية السياسية.أولى العهد الزاهر لجلالة الملك المفدى جل اهتمامه بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، فكان إنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وهي منظمة مستقلة، تهدف إلى الدفاع عن حقوق الإنسان، والعمل على وقف الانتهاكات، ونشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع المدني.ولقد صاحب انتعاش المشهد السياسي البحريني تشكيل عدد من مؤسسات المجتمع المدني، وعلى رأسها المنظمات التي تختص برعاية والدفاع عن حقوق الإنسان.ولعظم هذا الحقل المهم، كان تشكيل لجان حقوق الإنسان بالمؤسسات التشريعية البحرينية.ولعبت الأمانة العامة للتظلمات  دورًا محوريا في تعزيز حقوق الإنسان وحفظ كرامته، وذلك من خلال تلقيها الشكاوى والتظلمات المعنية بالانتهاكات، والتحقيق فيها بشكل (مستقل) و(حيادي) و(مهني)، وإنصاف الشاكين، وكفالة حقوقهم، ورد اعتبارهم.وعُدّ إنشاء المفوضية السامية لحقوق السجناء والمحتجزين نقلة متطورة على هذا الصعيد.وقد قامت هذه المفوضية، انطلاقا من مهام إنشائها، بزيارات كثيرة لأماكن الاحتجاز، ومؤسسات الإصلاح والتأهيل، للتأكد من مطابقة هذه الأماكن للمعايير الدولية المعنية بأماكن الحجز والتوقيف والسجن.وتبين من هذه الزيارات مدى التزام مملكة البحرين بجميع الالتزامات العالمية بشأن حقوق النزلاء، وتقدم لهم كل أوجه الرعاية المختلفة، بل أكدت المادة (26) من اللائحة حق النزيل في الالتجاء إلى الجهات القضائية لتقديم الشكاوى، وقد هيأت الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل صناديق خاصة بالشكاوى الموجهة إلى الجهات المعنية أو مؤسسات حقوق الإنسان.ولقد صادقت مملكة البحرين وانضمت إلى العديد من الاتفاقيات الدولية والمعنية بحقوق الإنسان، منها (اتفاقية حقوق الطفل) و(اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري) و(اتفاقية مناهضة التعذيب) و(اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) و(الميثاق العربي لحقوق الإنسان) و(العهدان الدوليان الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية). (راجع كتاب: المسيرة الإصلاحية في مملكة البحرين، علي العرادي ص10 و11).أوضاع حقوق المرأة: كان ولا يزال للمرأة دور كبير محوري في المجتمع المدني البحريني، وهي لم تتأخر يوما ما عن الالتحاق بالتعليم العام، والذي بدأ قبل (100) عام، عبر مراحله المختلفة، الابتدائية والإعدادية والثانوية، والتحاقها أيضا بالجامعات المختلفة، لتتأهل، فتكون (المعلمة) و(الطبيبة) و(القاضية) و(المهندسة) و(المحامية) و(الوزيرة).وكان لتدشين الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة أثره في تبوّء المرأة مكانة سامية في المجتمع الأهلي، وأن تأخذ أدوارها، وحقوقها، جنبًا إلى جنب مع الرجل.لقد شهد المجتمع الدولي بالنجاح العظيم الذي حققته المرأة البحرينية، حيث أكدت التقارير الدولية الريادة البحرينية الزاهرة في النهوض وتمكين المرأة على جميع الصعد والمستويات.وامتاز العصر الذهبي لجلالة الملك المفدى بالتسامح والعفو والصفح، حيث العيش في مجتمع الأسرة الواحدة، قوامها الترابط والتآلف والمحبة.إن العفو والصفح عند المقدرة هو ديدن القادة الكبار العظماء، وأحد أسس العدل والحكم الرشيد.وكان حضرة صاحب الجلالة قد أصدر مرسومًا بالعفو الخاص عن مجموعة من المحكومين، ممّن أدينوا بجرائم مختلفة، ومن بينهم أجانب، واستبدال عقوبة مجموعة أخرى من النزلاء بعقوبات بديلة، وذلك لدواع إنسانية نبيلة محضة. وليس هذا العفو هو الأول، بل سبق ذلك مراسيم كثيرة بالعفو الخاص.فكان العفو الأول عام 1999 بعد تولي جلالة الملك مقاليد الحكم في البلاد.ثم كان العفو الثاني مع تباشير الألفية الجديدة، والفرح والسرور بالعهد الجديد عهد حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى، والذي تزامن مع عودة المبعدين، وقيام دولة الملكية الدستورية الحديثة والمعاصرة.العفو الثالث: كان لمجموعة من الشباب والأحداث، بعد إدانتهم بأحداث (شغب) في شارع المعارض.العفو الرابع: كان لمجموعة من الشباب والأحداث، بعد إدانتهم بأحداث شغب وتخريب في مناطق عدة.العفو الخامس، كان في عام 2011م لمجموعة من المتهمين.العفو الخاص الذي طال بعض صغار السن.العفو الخاص والذي تزامن مع أفراح مملكة البحرين بالفوز بكأس دورة الخليج العربي لكرة القدم والتي أقيمت بالعاصمة القطرية الدوحة.ثم تتوج مراسيم العفو بهذا العفو الأخير، الأكبر من ناحية العدد.ولا ننسى بطبيعة الحال المرسوم الخاص بنظام العقوبات البديلة، الذي استفادت منه أعداد كبيرة من النزلاء.وهكذا نرى ما اتسم به حضرة صاحب الجلالة من قلب كبير يتسع للجميع، ومن خصال الرحمة والصفح، والتي لا تصدر إلا من العظماء.لقد شكلت مراسيم العفو هذه في مسيرة العهد الإصلاحي خطوة حضارية كبرى، فلا يستغرب من جلالته مثل هذا الكم الهائل من مراسيم العفو والتي أسست لقيم التسامح والصفح في مسيرة العهد الزاهر في جميع المحطات التي مرت على البحرين.إننا نأمل ممن استفادوا من هذه المكارم السامية أن يبدأوا صفحة جديدة من حياتهم، ويعاهدوا أنفسهم ألا يعودوا إلى مثلها، وأن ينخرطوا مجددًا في المجتمع، وأن ينغمسوا في محبة الوطن وأهله، وأن يدافعوا عنه بكل قوة.HAIDER64@hotmail.com

مشاركة :