هذه لمحات سريعة عن تاريخ أسواق البحرين.. لقد لاحظنا ونحن نفتش عن أسواق البحرين ومتاجرها أنه خلال عام 1949م بلغ عدد المتاجر والحوانيت (2789) متجرا وحانوتا في منطقة أسواق المنامة. هذا كل ما حصلنا عليه من معلومات عن الأسواق، ولكن ليس يعني ذلك خاتمة المطاف. فالبحرين بدأت تتطور يوما بعد يوم في الوقت الذي بدأ سكانها يزدادون ويتضاعفون أيضا، وهو ما تطلب التوسع في كل شيء ليواكب هذا التطور الكبير.لكل هذه الأسباب والعوامل بني سوق مركزي كبير ضم كل الأسواق التي جاء ذكرها بجانب العديد من المتاجر والمخازن ومحلات العرض.. الخ. وقد تم افتتاحه رسميا خلال عام 1978م، كما حظيت مدينة المحرق هي الأخرى بسوق مركزي (مكيف) حيث ضم هو الآخر كل الأسواق القديمة التي جاء ذكرها. وقد افتتح هذا السوق رسميا خلال عام 1982م في الوقت الذي ألغيت فيه تلك الأسواق القديمة سواء في المنامة أو المحرق لتطوي صفحة أخرى من الماضي. هذه هي الأسواق قديمها وجديدها، لكن هناك شيئا آخر ارتبط بشؤون التجارة والتجار.فمع نمو البلد في أواخر الثلاثينيات وزيادة تجارتها واتساعها، وخصوصا بعد اكتشاف النفط عام 1932م، ما ضاعف من النشاط التجاري والمالي بجانب المشروعات المختلفة التي بدأت تبرز من حين لآخر، مع كل هذه التطورات في البلد بات ضروريا أن تنشأ جمعية خاصة للتجار حتى تكون المرجع والسند لهم ولقضاياهم، وخصوصا أن الذي عجل بتحقيق هذا المشروع هو أن بعض التجار واجهوا العديد من المشكلات المالية مع بعض من موظفي شركة نفط البحرين في ذلك الوقت. حيث إن هؤلاء الموظفين كانوا يشترون البضائع من التجار عن طريق الدين (السلف) ثم يسافرون راجعين إلى بلادهم من دون تسديد تلك الديون، لذلك وعندما طرح التجار هذه القضايا أمام المسؤولين في الشركة اقترح عليهم تكوين جمعية خاصة بهم حتى يمكن عن طريق هذه الجمعية عمل تنسيق بينها وبين شركة بابكو، وهو ما يساعد في استقطاع الديون التي على موظفي الشركة، وذلك قبل صرف كل حقوق الموظف عند تركه الخدمة نهائيا أو عند القيام بإجازاته أو غير ذلك. طبعا نالت هذه الفكرة استحسانا لدى التجار، حيث اتخذت بعدها الإجراءات المعتادة في تشكيل مثل هذه الجمعية، كما جرت اتصالات مع الحكومة التي أيدت ذلك.وهكذا عقد اجتماع ضم عددا من التجار، حيث اختير السيد حسين يتيم رئيسا لهذه الجمعية. لقد كان القانون الأساسي لهذه الجمعية منذ تأسيسها باللغة الانجليزية، حتى محاضرها كانت تحرر باللغة الانجليزية وخصوصا أن أغلب أعضائها كانوا من التجار الهنود. وقد تبرع الحاج مصطفى عبداللطيف بمنح هذه الجمعية غرفة واحدة لاستعمالها كمقر لها، وكانت تقع فوق متجر كاليفورنيا هوس، وكان يعمل بها فراش واحد فقط. استمرت جمعية التجار العمومية تؤدي واجباتها بحسب الإمكانيات المتاحة، وضمن نطاق ضيق حتى عام 1945-1946م، حيث تقدم مجموعة من التجار غير الأعضاء في جمعية التجار العمومية هذه باقتراح يدعو إلى تطوير هذه الجمعية، وذلك عن طريق تحويلها إلى غرفة تجارية.لقد لاقت هذه الفكرة استحسانا وتأييدا من قبل قطاع كبير من التجار، عقد على أثر ذلك اجتماع حضره عدد من التجار والمشتغلين بشئون التجارة، وبعد دراسة هذا الاقتراح وتبادل مختلف الآراء، عرض على المجتمعين مسودة القانون المقترح لهذه الغرفة التجارية، على ان ترفع طلبا رسميا إلى مستشار حكومة البحرين، والذي طلب على أثره استدعاء جميع التجار ورؤساء الشركات والبنوك وغيرهم لاجتماع عام يعقد لهذا الغرض. وقد حضر هذا الاجتماع عدد كبير من التجار ورؤساء الشركات، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الحاج جاسم كانو، وخليل المؤيد والحاج حسين يتيم، وعبدالرحمن طاهر محمد خنجي، واحمد يوسف فخرو، وسليمان حمد البسام وخليفة القصيبي، وعبدالعزيز القصيبي، وعبدالعزيز العلي البسام، وعبدالرحمن خليل المؤيد ويوسف خليل المؤيد، والسيد محمد حسن الحسن (المحامي)، وعبد الرحمن القصيبي، بالإضافة إلى مدير البنك الشرقي ومدير البنك البريطاني ومدير شركة كري مكنزي، التي تعتبر من المؤسسات القديمة في البحرين.بالإضافة إلى ذلك حضر هذا الاجتماع بعض التجار الهنود الموجودين في البحرين منهم اشرف، السيد اتما جيشنمال، السيد دورابجي. وقد حضر مستشار حكومة البحرين هذا الاجتماع، وألقى كلمة ضمنها موافقة حكومة البحرين على تأسيس هذه الغرفة التجارية، كما تم في هذا الاجتماع انتخاب عبدالرحمن القصيبي رئيسا للغرفة ومعه اثنا عشر عضوا منهم السيد محمد حسن الحسن (المحامي) الذي اختير أمينا للسر. بعدئذ شكلت لجنة لدراسة القانون المقترح لهذه الغرفة. وقد سبق ذلك الكتابة إلى كل من غرفة تجارة لندن وعدن وبومباي وكراتشي لإرسال نسخ من قانون الغرف التجارية في بلدانهم لغرض الاطلاع عليها والاستفادة منها والأخذ بما يتلاءم ومجتمع البحرين. في هذا الوقت أي عند بداية تأسيس هذه الغرفة التجارية لم يكن عدد التجار الذين انضموا إلى عضويتها كبيرا، حيث مازال عدد آخر منهم مترددا في الانضمام الى الغرفة التجارية في هذا الوقت وبعد تشكيل الغرفة التجارية والبدء في مزاولة أعمالها بصورة أوسع واشمل عما كان عليه من قبل.صدر أمر من حكومة المملكة العربية السعودية جاء فيه ان ميناء الخبر لن يقبل أي بضاعة تصل من البحرين ما لم تصدق من قبل غرفة تجارة البحرين، وذلك لغرض التأكد من أسعار تلك البضائع. هذا القرار دفع الكثير من التجار الذين كانوا مترددين الى الانضمام الى عضوية الجمعية للمبادرة في الانضمام الى عضوية الغرفة التجارية، الأمر الذي ضاعف من عدد أعضائها. كما أعيدت دراسة قانونها الأساسي ولوائحها وأنظمتها الداخلية فيما بعد؛ أي بعد مرور بضع سنين ربما كان ذلك عام 1965م بحيث يتلاءم ذلك مع ركب الحضارة وتطور البلاد.وقد تم خلال عام 1967م تغيير تسميتها من غرفة البحرين التجارية إلى غرفة تجارة وصناعة البحرين. وطالما تحدثنا عن أسواق البحرين وغرفتها التجارية فلا بد لنا من ان نشير إلى الفنادق الموجودة أيام زمان. ففي نهاية الثلاثينيات كان يوجد فندق واحد تقريبا في أنحاء البحرين وهو الفندق الذي يقع في منطقة راس رمان بالمنامة، وما زال المبنى موجودا حتى اليوم. ويسمى (سبيد بيرد) اما قبل هذه الفترة فلم نسمع عن وجود فندق غير ذلك اللهم الا وجود ما يشبه الفندق في بداية الثلاثينيات، وهو مشيد أغلبه من الأخشاب، وهذا المبنى يقع أمام بناية هلال المطيري، شارع الحكومة آنذاك. لصاحبه المرحوم عبدالنور البستكي. وكان يتسع لعدد محدود من النزلاء أي من عشرة إلى خمسة عشر شخصا. وبمرور السنين قام عبدالنور البستكي نفسه ببناء فندق البحرين عام 1941 – 1942م تقريبا. وكان هذا الفندق يستقبل كبار زوار وضيوف البحرين في ذلك الوقت. وقد أجريت عليه توسعات كبيرة، هذا عن فندق عبد النور البستكي وفندق (سبيد بيرد) ثم ذلك الفندق الخشبي. في خضم هذا الزخم الاقتصادي الناشط، كان لا بد من وجود جهة مباشرة للنشاط التجاري والمشاريع الاقتصادية وملاحقة القوانين الاقتصادية والاهتمام بكل شؤون الاستثمار وغيرها من النشاطات التجارية. فتأسست جمعية التجار العموميين عام 1939م التي تغير اسمها، عام 1945م إلى غرفة تجارة البحرين، لتسمى عام 1967 غرفة تجارة وصناعة البحرين، التي يزيد عدد أعضائها على 2500 عضو، وتقوم هذه الغرفة بتمثيل الهيئات التجارية والصناعية والقطاع الخاص في اللجان والهيئات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، كما تشارك بحضور الندوات والمؤتمرات والمعارض الدولية. وقد تفضل حضرة صاحب السمو أمير البلاد المعظم فوهب الغرفة قطعة أرض تقع شمال غرب بنك البحرين الوطني، حيث أقامت عليها بناية ضخمة، تشغل الغرفة طابقين منها. وقد منحتها الحكومة 1.5 مليون دينار مساهمة منها في إنجاز هذا المشروع. هكذا كان بدء الغرفة، وغرفة تجارة وصناعة البحرين ما هي إلا امتداد للماضي وحاضره اليوم.
مشاركة :