لو فكر من يشعلون الحروب في النتائج الكارثية التي تترتب عليها، وما تتغذى عليه تلك الحروب من مآسٍ وآلام، يدفع ثمنها العُزْل من النساء والشيوخ والآمنين، حتى الحيوانات والمنازل والبنى التحتية، ولكن المتضرر الأكبر من هذه الحروب هم زهرة الحياة، بسمتها الحانية، سند العجز، وأمل المحروم، هم الأطفال. هذه البراعم التي تفتحت ليس من أجل ريّها والعناية بها، لكن لتصبح وقوداً في ساحات الصراع، فإما أن تيتم، أو تتشرد، أو تضطر مع أهلها إلى الهروب واللجوء إلى مخيّمات بعيدة. وأخطر من ذلك ما يواجهه بعض الأطفال، حينما يُجبرون على حمل السلاح، والانخراط في الميليشيات المسلحة، ليقاتلوا إلى جانب الكبار. إن الطفل مخلوق بريء وله حقوق على أهله وعلى مجتمعه قبل ذلك، وفي مقدمة هذه الحقوق توفير المأكل والملبس له، وحمايته من التعرض للأذى، سواء بفعله هو أو بفعل المحيط، ومن ثم تنشئته وتعليمه حتى يكبر ويستفيد منه أهله ومجتمعه. ومنذ القدم أوصى الفلاسفة بتعليم الصغار لأن أدمغتهم تكون صفحة بيضاء تستوعب كل ما يدخل إليها، لكن عندما يحرم الطفل من العيش الكريم، وعندما يشرد نتيجة حرب قد اشتعلت في موطنه؛ فإنه يفقد حقه في التعليم، ويصبح الشغل الشاغل هو توفير الأمن والحماية له، من خلال توفير المأوى الآمن، والحاجات الأساسية من طعام وشراب ودواء. لقد نشأ الكثير من كبار المجرمين في بيئات تسودها الصراعات والحروب، فيُضطرون للجوء إلى السلاح للحفاظ على حياتهم، وتوفير المأوى الآمن لهم، خاصة بعد أن فقدوا أهليهم ووقعوا في شرك رجال العصابات. وكان من المؤمل أن يرتفع الوعي البشري بخطر الحروب مع انتشار التعليم على نطاق واسع في العالم. وفي تقرير صدر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف في 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، فقد أعلنت هذه المنظمة، أن 2014 كانت سنة مدمّرة لملايين الأطفال الذين وقعوا ضحية النزاعات، ولا سيّما في العراق، وغزة، والسودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأوكرانيا وسوريا. وقد قتل الأطفال وهم على مقاعد الدراسة، أو وهم نيام في أسرتهم، وتعرّضوا لليتم والخطف والتعذيب والتجنيد والاغتصاب وللبيع عبيداً. ووفق هذه المنظمة، فإن 230 مليون طفل يعيشون في مناطق تشهد نزاعات مسلحة، بينهم 15 مليوناً يعانونها بشكل مباشر، ويعاني الأطفال في أكثر من خمسين بلداً في العالم النزاعات المسلحة أو تأثيراتها. ولقد شرّدت الحروب حتى اليوم 22 مليون طفل داخل بلدانهم أو خارجها. إن مشاهد الأطفال الذين يعيشون ظروف النزاعات المسلحة، وهم ينتظرون في مخيّمات اللاجئين، للحصول على الغذاء والعناية الطبية، واتساع انتشار الألغام الأرضية والأسلحة الخفيفة، جعلت المجتمع الدولي يتحسّس عذاب هؤلاء الأطفال، لأن حمايتهم حق أصيل من حقوق الإنسان التي تنصّ عليها الاتفاقات والمعاهدات الدولية، كاتفاقية حقوق الطفل. واهتمّ مجلس الأمن بموضوع أمن الأطفال، فأصدر قرارات عدة، منها القرار رقم 1261 لعام 1999، والقرار رقم 1314 لعام 2000، والقرار رقم 1379 لعام 2001، وقد تعهدت كل تلك القرارات بالكفاح ضد تأثيرات الحرب في الأطفال وحمايتهم، والتصدي بنوع خاص للنتائج السلبية لتجارة الأسلحة الخفيفة غير المشروعة، وأثرها في الأطفال. واتخاذ اجراءات جدية لمكافحة انتهاك قوانين أمن الأطفال خلال الحرب. إن ازدياد عدد الصراعات وتشريد ملايين الأطفال، يؤكد أن المجتمع الدولي قد عجز عن الوفاء بتعهداته بحماية الأطفال، وذلك بسبب تعقد السياسات الدولية وضلوع القِوى العالمية الكبرى، التي يفترض بها أن تحمي السلم والأمن الدوليين، في إشعال الصراعات عبر العالم، وهذا بلا شك يخفي أزمة معنوية خطرة، ستكون لها نتائج كبيرة على مستقبل العالم، فنشوء المزيد من الصراعات يعني حرمان المزيد من الأطفال من التعليم، وبالتالي إيجاد جيوش كبيرة من العاطلين والفاشلين. فالأطفال اليوم هم سكان العالم غداً، وبقاؤهم، وحمايتهم ونموّهم، هي شروط إلزامية لتطوير مستقبل البشرية. med_khalifaa@hotmail.com
مشاركة :