ينطلق مؤتمر جنيف اليمني، والهدف منه البحث عن فرص لإيقاف الجنون الذي تشهده البلاد جراء استمرار القتال الذي دشنته ميليشيات الحوثي والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح قبل قرابة الثلاثة أشهر انطلاقاً من عدن، عندما هاجموا الرئيس عبدربه منصور هادي بالطائرات في مقر إقامته بالمدينة بعد أسابيع قليلة من تمكنه من الفرار من إقامة جبرية فرضها عليه الحوثيون في منزله بالعاصمة صنعاء. اجتماعات جنيف مختلفة إلى حد كبير عن الاجتماعات التي سبقتها من حيث الممثلين للقوى السياسية ومن حيث الظروف كذلك، فهي تأتي وسط خراب كبير وضحايا بشرية لا حصر لها، إذ إنه في غضون ثلاثة أشهر من المعارك تغير وجه البلد شمالاً وجنوباً، تماماً كما تغيرت أحوال الناس ومشاعرهم، والتي قضت عليها المغامرة التي أقدم عليها المتمردون على الشرعية، ليس فقط في بدء الحرب في عدن وتعز وبقية مناطق الجنوب، بل وما قبلها في عمران والعاصمة صنعاء، وقبلها التهجير الذي قام به الحوثيون في منطقة دماج في محافظة صعدة. وسواء تم الاتفاق أم لا على التفاصيل كافة، وجدول المفاوضات التي ستجرى لأول مرة برعاية الأمم المتحدة بشكل مباشر وفي مكان غير الأمكنة التي اعتاد اليمنيون إجراء حواراتهم فيها، إلا أنه من المهم أن يكسر المتفاوضون حالة الرفض المستمرة للقاء، ففي نهاية الأمر يجب عليهم أن يبحثوا عن وسيلة لإيجاد حل لهذا الجنون المنفلت من عقاله في الحروب المتنقلة في كل مكان، وإعطاء أمل للناس في إعادة الاستقرار، حتى يتمكنوا من العودة إلى منازلهم وقراهم ومدنهم التي شردوا منها بسبب هذه الحرب التي لن تُمكن فريقاً من النصر، ولن تجني منها البلاد إلا الخراب والدمار، فهل يتمكنون من التقاط هذه الفرص السانحة التي قد لا تتكرر ثانية، وإذا تكررت ستكون الأوضاع مختلفة وسيكون الدمار أكبر وأوسع نطاقاً؟ يجب على المتفاوضين في جنيف أن يحملوا هم وطنهم الذي ينهار أمام أعينهم، وعليهم إدراك أن الفرصة ما زالت مواتية لإعادة إظهار الحكمة التي وصف بها الرسول الكريم أهل اليمن عندما قال: الإيمان يمان والحكمة يمانية، وإذا لم يتمكنوا من استغلال الفرص التي تتاح لهم اليوم فإنهم لن يحصلوا عليها غداً، وعليهم إدراك أن المجتمع الدولي قد يُسهم في الحل لكن لن يفرضه، ذلك أن المعايير بهذا الشأن تختلف عما يدور في أذهان البعض. فوق ذلك يجب على المتفاوضين أن يلتفتوا إلى الدمار الذي تعيشه دول عربية عدة، أهمها العراق، وليبيا وسوريا، فبعد سنوات من الخلافات السياسية تبدو فرص الحل العسكري في هذه البلدان بعيدة المنال، وعلى المتفاوضين أن يضعوا خلافاتهم ومشاريعهم جانباً من أجل اليمن، وعلى المتمردين الحوثيين أن يعوا أن إيران يمكنها أن تدعم الدمار الذي يحدث، لكنها لن تكون، يوماً داعمة لخيار السلام، وعلى الرئيس السابق علي عبدالله صالح أن يثق بأن عودته إلى السلطة لا يمكن أن تتم على أكوام الجثث من الأبرياء، وأن يتخلى عن حلم العودة إلى الحكم لأنه بالنسبة لليمنيين كان كابوساً وانتهى. sadeqnasher8@gmail.com
مشاركة :