الغش في الامتحانات ظاهرة تعانيها جميع الأنظمة التعليمية في العالم وجهود محاربته تجري على قدم وساق للحد من فرص الغشاشين وتعديهم على حقوق غيرهم من الطلبة الذين سهروا الليالي من أجل اجتياز امتحان يمكن لأحد الغشاشين اجتيازه بالطرق الملتوية التي يسلكها بدون تكليف نفسه عناء السهر أو الدراسة. وزراة التربية والتعليم شنت على الغش في الامتحانات حرباً بشتى السبل، حيث عمدت إلى تعديل درجات التقويم حتى لا يكون الامتحان هو الفيصل، وتغيير المناهج التي تدرس وتحويلها إلى أخرى مبنية على أعمال العقل وبناء المهارات، بعيداً عن الحفظ والتلقين. رغم تلك الجهود الجبارة فإنه لا يزال متبقياً، بل إنه أخذ يميل باتجاه استخدام التكنولوجيا وتوجيهها نحو الاتجاه الخاطئ، الأمر الذي بات يتطلب بحسب آراء المختصين جهوداً لمحو الأمية التكنولوجية بين الطواقم التدريسية وتعديل لوائح الغش واقتراب الآباء من أبنائهم. يقول رجب الجمل مدرس مادة الكيمياء ومراقب للامتحانات منذ عدة أعوام، إن التقدم التكنولوجي السريع الذي فرض بعض جوانبه علينا بشكل عام، وعلى الطلبة بشكل خاص يتطلب نوعاً من الوعي والرقابة لاسيما وأن التكنولوجيا التي حملت لنا الكثير من الإيجابيات التي أثرت في أنماط حياتنا بشكل كبير وملموس هي نفسها التي حملت بعض السلبيات التي تسببت في إساءة الاستخدام، متابعاً بأن التطور الهائل في أجهزة الاتصال والذي صحبه تطور آخر في برامج شبكات التوصل الاجتماعي وغيرها من البرمجيات سهل عملية الغش في الامتحانات بين الطلبة على سبيل المثال وهنا لابد من وضع أسس وتشريعات تتماشى وهذا النوع من الاستخدام الخاطئ بحيث لا تصبح تلك الأجهزة سبيلاً أمام الطالب للنجاح والتفوق دون وجه حق، لافتاً إلى أن المراقبين اليوم لديهم الخبرة والدراية الكافية لاكتشاف أي حالة غش تتم بواسطة تلك الأجهزة ولكن مربط الفرس هو توعية الطالب من جانب أسرته ومدرسته وجميع أفراد المجتمع المحيط به بتجنب استخدام تلك الوسائل التقنية في الأغراض غير الصحيحة أو التي من شأنها الإضرار به. ويضيف محمد حسنين مدرس لغة عربية ومراقب امتحانات إن المراقبين في اللجان تقع على عاتقهم مهمة صعبة ودقيقة للغاية فهدفهم السيطرة على سير الامتحانات والتصدي لأي تصرف يبدر أثناء تواجد الطلبة في القاعات وهو الأمر الذي زاد من أعبائهم وحرصهم على فرض النظام وذلك لما شهدته الأعوام الماضية من تحول في مسار وأساليب الغش. ويضيف، إننا نعاني ضعفاً شديداً في التعامل مع التقنيات الحديثة، حيث أصبح الطفل الصغير يفوق أبيه بعشرات المرات في التعامل مع أجهزة الهاتف المتحرك والحاسب المحمول وغيرها من تقنيات العصر، التي أصبح الشباب أساتذة لآبائهم ومعلميهم وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام الطلبة لاستخدام تلك الوسائل للغش في الامتحانات، كما أن زيادة الوعي لدى القائمين على أمر الطلبة بأنواع التقنيات المستخدمة بات أمراً مهماً، لاسيما أن العالم يشهد صراعاً ومنافسة شرسة بين مصنعي ومصدري التقنيات، التي بدورها تزداد تطوراً وسرعة رغم أن أحجامها تتقلص يوماً تلو الآخر. ويقترح سمير عوض الله معلم اللغة الإنجليزية ومراقب الامتحانات أن يتم منح المراقب في اللجان الامتحانية مزيداً من الصلاحيات التي تسهم في تأدية عمله بشكل أفضل، متابعاً أن الطالب الآن أصبح ملماً بالكثير من الأمور التي ينتقي منها نقاط الضعف ويستغلها في محاولاته للغش. أما عادل العبيدلي، مدير مدرسة خالد بن الوليد الثانوية، فيرى أن إلمام المعلم الذي يتحول إلى مراقب خلال تأدية الامتحانات بأساليب الغش الحديثة والتي من المحتمل أن يستخدمها الطلبة سيسهم في مكافحة ظاهرة الغش وهو الأمر الذي انتبهت إليه إدارات الكثير من المدارس في إطار جهودها للحد من ظاهرة الغش حيث قامت باطلاع المراقبين على كل ما هو جديد في هذا الصدد ونظمت ورش عمل خاصة يطلع من خلالها المراقبين عن كيفية ضبط قاعاتهم التي قد يتواجد بها طلبة غشاشون إلكترونيون. ويروي العبيدلي عدداً من القصص التي صادفته خلال سنوات عمله في الميدان التربوي والتعليمي، ويقول البداية كانت باستخدام البراشيم المكتوبة بخط اليد، ثم تطور الأمر وأصبحت البرشام مطبوعة، لننتقل إلى مرحلة الشفافيات ثم الهاتف المتحرك وسماعات البلوتوث التي سبق أن ضبطنا طالباً قام بزرع إحداها في فمه عند طبيب أسنان في واقعة فريدة من نوعها، والكثير من القصص. ويضيف، أنه نجح إلى حد كبير في وقف استخدام تلك التقنيات في الغش وذلك من خلال اطلاع المعلمين على أحدث المستجدات، والاستعانة بعدد من الأجهزة المضادة مثل أجهزة قطع الإرسال، وكاشف موجات الهواتف المتحركة، معتبراً أن اطلاعه المستمر والمتواصل على كل ما هو جديد مكنه من التصدي للظاهرة. ساعات وسماعات تتضمن الوسائل التقنية الحديثة التي يستخدمها الطلبة في عمليات الغش آخر ما توصلت إليه تكنولوجيا الاتصال في العالم، ومنها الساعات الخاصة بالجيل الرابع التي تعمل وفق تقنيات معقدة جداً وتباع بأسعار تصل إلى خمسة آلاف درهم وتحتوي على شاشات عالية الدقة وقدرات كبيرة وسريعة للتصفح من خلال اللمس أو الضغط على الأزرار. ومن خلال تلك الساعات التي يمكن وصلها بشبكة الإنترنت عن طريق الواي فاي يستطيع الطالب تخزين مئات الصفحات من منهاجه وحفظها على صيغة صور ثم تصفحها داخل القاعة بدون أن يحدث أي حركة مريبة. ومن الأجهزة الحديثة الأخرى التي يستخدمها الطلبة سماعات الميني التي يتم زرعها داخل قوقعة الأذن نظراً لصغر حجمها ودقتها وتمتاز بنقاوة صوتها وقوة استقبال، إضافة إلى صعوبة اكتشافها لاسيما وأن تصميمها يشابه لون جسد الإنسان. أما أجهزة ومشغلات الملفات الموسيقية فهي الوسيلة الأكثر رواجاً بين الغشاشين الذين يسجلون فيها المنهاج ومن ثم يدخلون بها القاعات ويفرغون محتواها بحسب ظروف المادة.
مشاركة :