كلمة وفاء للشيخ عيسى بن راشد رحمه الـله تعالى

  • 3/29/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

فإن الله تعالى جلت قدرته، خلقنا في هذه الحياة من عدم، يقول تعالى، (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُوراً)، كما أوجدنا الله في هذه الدنيا لنحيا ضمن نهجه بهدف العبادة والتخلق بالأخلاق الحسنة، وطلب العلم، والسعي للعمل الصالح، والتعمير لرفعة وتنمية وازدهار الوطن والأمة، والاستعداد ليوم الرحيل، فما من مخلوق في هذه الحياة، مهما امتد أجله، وطال عمره، إلا والموت نازل به، يقول جل وعلا: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)، ولو جعل الله الخلود لأحد من الخلق لكان الأولى بذلك الأنبياء والرسل، وكان أولاهم بذلك صفوة أصفيائه، محمد صلى الله عليه وسلم. يقول تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ)، ويقول سبحانه: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ). حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَرار بَينا يَرى الإِنسانُ فيها مُخبِراً حَتّى يُرى خَبَراً مِنَ الأَخبارِ طُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ إنه في يوم الخميس الثاني عشر من شهر مارس 2020م، ودَّعت مملكة البحرين رجلاً فَذَّاً عظيمًا من رجالاتها المخلصين، وهو القاضي والحقوقي والرياضي، والإعلامي والأديب والشاعر النِّحرير معالي الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة أستاذ الأب والشعر والرياضة في البحرين والخليج العربي، وقد ولد -رحمه الله- في المحرق في والحادي من شهر يناير 1938م في البحرين.     وقد عاصرتُ الشيخ عيسى رحمه الله وزاملته وتشرفتُ بالعمل معه في عدة ميادين وبخاصةٍ في السلك الرياضي، وقد أفدت منه الكثير والوفير من خبراته المتعددة والمتنوعة، كما كنت كثير التردد على مجلسه العامر والغامر بضيوفه من جميع طبقات وأصناف الشعب البحريني بالرفاع الغربي العامر، وكان يرتاد مجلسه المبارك الجموع الغفيرة من الناس على اختلاف أعمارهم وتوجهاتهم ومشاربهم واختصاصاتهم، وكل من جلس مع الشيخ رحمه الله واستمع إلى حديثه الجميل أحبَّه وأغرم به وذلك لكريم أخلاقه وتواضعه وحسن تعامله مع كل الناس، وأدرك سعة ودماثة نفسه واطلاعه وعلمه وحلمه، لأنه كان مغرماً بالتواصل مع الناس. كان الشيخ عيسى -رحمه الله- شغوفًا بالتراث والفن البحريني وسعيه الدؤوب لتأصيله والمحافظة عليه من الاندثار، حتى صار له الفضل في حفظ كثير من التراث والفن البحريني القديم، كما كان رحمه الله شغوفاً ومُحبًا للشعر والأدب والتاريخ، وكان مغرمًا بوجه خاص في نظم ونثر الشعر الشعبي البحريني، حتى أبدع فيه، فقد كان شعره يتميز بجزالة عباراته وبساطة ألفاظه وتراكيبه البحرينية الأصيلة، وكان له طريقة خاصة جميلة في إلقائه تأخذ بتلابيب النفوس والأسماع، وتجعل المستمع إليه يتفاعل ويتلذذ مع شعره الرائع الراقي، كان -رحمه الله- حريصًا على التواصل مع الناس وتلمس احتياجاتهم ومساعدتهم، واستضافتهم في بيته وإكرامه لهم أيَّما إكرام، فضلاً عن اهتمامه بإقامة وحضور الفعاليات الوطنية والأدبية والشعرية والرياضية والمساهمة فيها، وكان له قدم السبق في الاهتمام بالرياضة البحرينية، وسعيه المتواصل الدؤوب المخلص للارتقاء بالكرة البحرينية، ولا أكون مبالغًا إذا قلت أن الشيخ عيسى -رحمه الله- كان أستاذ الرياضة الخليجية، ورأس حربة فيها لعمق معرفته وسعة درايته بجوانب الرياضة المحلية والخليجية والعالمية، ولا يُستغرَب ذلك فقد اكتسب الشيخ عيسى -رحمه الله- كل تلك الخبرات والإبداعات نتيجة جهوده الحثيثة وعمله وتفانيه وإخلاصه في خدمة وطنه مملكة البحرين. تولَّى الشيخ عيسى -رحمه الله- عدة مناصب وأبدع وطوَّر فيها كثيرًا فقد تولَّى منصب القضاء وكان حقوقيًا بارعًا، كما تولَّى منصب مستشار قانوني في الحرس الوطني، ونائب القائد العام لقوة دفاع البحرين، ثم وكيلاً لوزارة الدفاع ووكيلاً لوزارة الإعلام وغيرها من الأعمال والمناصب العسكرية والإعلامية والحقوقية وغيرها، كما أن الشيخ عيسى -رحمه الله- يملك من الكتب الكثيرة في مكتبته العامرة ببيته في مختلف الفنون والأدب والشعر والعلوم، وقد استفدت كثيرًا كما استفاد غيري من خبراته وتوجيهاته ومناقشاته وحواراته وإبداعاته في جميع الفنون والتخصصات والمعارف والعلوم. كما تجدر الإشارة إلى أنني تشرفت بالحضور والإفادة والاستماع إلى عدد كبير من أمسيات الشيخ -رحمه الله- في مناسبات عديدة، كما استفدت من لقاءاته ومحاضراته ومساهماته وحواراته الرياضية والفنية والأدبية. سيظل معالي الشيخ عيسى -رحمه الله- رجلاً فذًَّا عظيمًا في قلوبنا، وسيظل قامَةً علمية شعرية أدبية شامخة، وعلامة مضيئة في سِجِلِّ رجالات مملكة البحرين المخلصين الأوفياء، سَيُدَوِّي ذكرهم وأثرهم الطيب ما دامت آثارهم الخيرة التي كتب الله تعالى لها أن تبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. جعل الله هذه الأعمال والمساهمات والإبداعات الخيِّرة المخلصة في موازين حسنات الشيخ يوم القيامة، وبارك الله في جهود عائلته وأنجاله الأفاضل الكرام. وأخيرًا رحم الله أخي وحبيبي وزميلي الشيخ عيسى رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، ورفع درجته في الصالحين من عباده، وألهم أهله وأولاده وعائلته ومحبيه وأصدقائه وأصحابه وشعب البحرين، بل وجماهير وشعوب مجلس التعاون الصبر والسلوان، والى جنات الخلود حبيبي يا بو عبدالله حيث نعيم الآخرة، و(لله الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ)، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مشاركة :