لا تصدقوا ما يقال عن ارتداد مفاجئ للأسهم

  • 3/30/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

محمد العريان * مشاعر المستثمرين رسمت خريطة استثنائية لمؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك حتى بات من الصعب تصديق ما جرى، ففي أقل من شهر، انتقلت الأسهم الأمريكية، وفقاً لمؤشر داو جونز، من مستوى قياسي إلى أسرع تصحيح في التاريخ، ثم إلى أفضل أداء أسبوعي منذ 1938، أما محرك تلك التقلبات فلم يكن سوى شعور قوى السوق الذي لا يستقر، متقلبا بين الرضا في البداية، ثم الذعر، وإذا كان بإمكانك تحديد أسباب الارتفاع القوي للأسبوع الأخير فأنت تعرف لغز ما ينتظر الأسهم في المستقبل القريب. حقق مؤشر داوجونز رقماً قياسياً في 12 فبراير/‏ شباط على الرغم من تزايد الأدلة على أن (كوفيد-19) يضر بالاقتصاد العالمي، وتعثر الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ووصل إلى طريق مسدود، وتعطلت خطوط الإمداد العالمية، ما تسبب بإغلاق بعض المصانع في أماكن أخرى، وكانت التجارة العالمية في مسار هبوطي، وكان مصدر كل هذا، تفشي الفيروس شديد العدوى في بلدان أخرى. آذان صماء كان البعض منا يحذر منذ أسابيع من خطر الفيروس التاجي لأنه تسبب ب«توقفات اقتصادية متتالية مفاجئة»، وهي ظواهر شائعة في الدول الهشة، والفاشلة، ولكن ليس في الاقتصادات المهمة للنظام العالمي، فتلك التوقفات المفاجئة مدمرة للغاية لأنها تدمر كلاً من العرض، والطلب في الوقت نفسه، وعلى هذا النحو، كانت هذه أولوية عاجلة على صعيد الساسة المالية، ومعقدة، ولم توفر للمستثمرين فرصة «شراء الأسهم الهابطة». ولقيت هذه التحذيرات آذاناً صماء على نطاق واسع، ولأسباب مفهومة، ذلك أن ديناميات التوقف المفاجئ، على الرغم من كونها بالغة الأهمية، إلا أنها لم تكن مألوفة إلى حد كبير للأغلبية العظمى من الاقتصاديين وصانعي القرار. وبالمثل بالنسبة للمحللين في وول ستريت، طور المستثمرون والمتداولون - الذين ألفوا سنوات من السيولة الوافرة والمتوقعة التي قدمتها البنوك المركزية وخوفا ًمن فقدانها - استجابة شبه تلقائية لشراء أي تراجع للسوق، بغض النظر عن السبب. ولكن عندما دمر الفيروس التاجي المزيد من الاقتصادات الآسيوية، وشلّ شمال إيطاليا، وتم الإبلاغ عنه في العديد من البلدان الأوروبية الأخرى، أصبح الدليل ساحقاً على أن هذه المرة مختلفة بالفعل، ومع تهديد الفيروس للولايات المتحدة أيضاً، لم يعد ممكناً التغاضي عن أن صدمة اقتصادية خطيرة ستكون لها عواقب مالية، وهاتان أول مرحلتين من المراحل الأربع التي كتب عنها بالتفصيل قبل شهر. مذبحة عشوائية لم ينخفض سعر الأسهم والأصول عالية المخاطر الأخرى فحسب، بل إن ذلك حدث نحو متزايد بشكل غير منظم، ونظراً لوجود سيولة مبالغ فيها لدى المستخدمين النهائيين على مدى سنوات، وهي ظاهرة تفشت بتحفيز من انتشار صناديق المؤشرات الدارجة وغيرها من الأوعية التي توفر وصولاً أسهل إلى قطاعات السوق التي يصعب الوصول إليها عادةً، فإن النظام عاجز عن استيعاب جميع أولئك الذين يرغبون الآن في الهروب بحثاً عن الأمان، والنقد، وكلما كان المستثمرون ومديرو الصناديق غير قادرين على بيع ما يريدون بيعه، كلما عرضوا أكثر مما يمكنهم بيعه، وهكذا تسبب انتشار عدوى البيع والهلع بمذبحة عشوائية وهدد أداء بعض الأسواق، وترافق ذلك مع إمكانية تسريع المديونية المالية التي عززت الشعور العام بالاكتئاب الذي يشبه ما حدث في الثلاثينات، والأزمة المالية العالمية المشابهة عام 2008. كان التصحيح السريع والحاسم وغير المنتظم للسوق بمثابة تنبيه صاخب لصناع السياسات، وكانت النتيجة أن ساد نهج «الدعم الشامل»، و«مهما كلف الأمر»، في بلد تلو الآخر. ومع تفادي احتمالات حدوث كساد عالمي وأزمة مالية في الوقت الحالي، ارتدت أسعار الأسهم بشكل حاد، وارتفع مؤشر داو جونز خلال الأسبوع، رغم تراجعه يوم الجمعة الماضي، بنسبة 4%. فالمتفائلون يرون أنها بداية عملية لتشكيل قاع يعد بمكاسب إضافية بعد الخسائر المروعة هذا العام. فقد انخفض مؤشر داو بنسبة 24% منذ بداية العام حتى تاريخه، وما يؤيد حجتهم تلك أن ذلك يعتبر دليلاً متزايداً على أداء أفضل للسوق في قطاعات رئيسية مثل سندات الخزانة، والسندات الاستثمارية. ويرى المتشائمون ذلك أنه ارتداد آخر للاتجاه المعاكس، أو ما يُسمى ب«هرولة الديك المذبوح». ويشيرون إلى العديد من الحالات المماثلة خلال الهبوط الحاد للسوق في سبتمبر/‏ أيلول 2008 - ومارس/‏ آذار 2009. ومن الصعب حالياً، الفصل في القضية النهائية لأي من الطرفين. هناك ببساطة الكثير من عدم اليقين بشأن شدة ومدة الاضطراب الأساسي - انتشار الفيروس - ومدى الضرر الذي حدث بالفعل للاقتصادات والأسواق، وسلاسة العملية النهائية لإعادة انتعاش الاقتصاد. استثناء مؤقت استناداً إلى المعلومات الجزئية التي أقوم بتجميعها وتحديثها باستمرار، أخشى أن يثبت هذا على الأرجح استثناء مؤقتاً لما لا يزال، للأسف، توقعات لتقلبات سوق الأسهم المرتفعة حول اتجاه لا يزال هبوطياً، وعلى هذا النحو، إنها فرصة لإعادة تحديد الوضع «في الأصول النوعية» في إطار نهج شامل للتخفيف من المخاطر، أكثر من إشارة واضحة للمستثمرين. وبالنسبة لأولئك الذين يختلفون، أود أن أعترف على الفور، بأنه لا أحد يعرف على وجه اليقين. ولكن مع ذلك يأتي الاعتراف بأنه، مع درجة عالية للغاية من عدم اليقين المرتبط بمثل هذه الصدمات غير المسبوقة، فإن احتمال حدوث أخطاء في قرارات الاستثمار يظل مرتفعاً، خاصة لأن السياسات يمكن أن تنطوي على الضرر، ولكن ليس بالسرعة المطلوبة، ولا بطريقة فورية عندما يتعلق الأمر بإعادة تشغيل الأنشطة الاقتصادية العادية. والسؤال الرئيسي هنا: أي الأخطاء يمكن تعويضها بمرور الوقت؟ خطأ النوع الأول هو زيادة سابقة لأوانها في التعرض للمخاطر ؛ والنوع الثاني هو الحذر المفرط. وبالنظر بشكل خاص، إلى أن بعض المخاطر التي يتعرض لها المستثمرون تشمل ارتفاع معدلات إفلاس الشركات، والتخلف عن السداد الذي من شأنه أن يمحو العديد من مستويات هيكل رأس المال، بدءاً من الأسهم والسندات غير المضمونة، فإنني أعتبر الذين يعتمدون الرأي الثاني مخطئين - من خلال بيع سندات ذات جودة ائتمانية منخفضة وتحويل بعض العائدات إلى بدائل أعلى جودة ؛ بالانتقال من منتجات المؤشر في القطاعات الدنيا من سوق الائتمان إلى الشركات الفردية والمؤسسات السيادية المختارة بعناية ذات الاحتياطيات المرتفعة واستحقاقات الديون قصيرة الأجل المحدودة ؛ من خلال زيادة تعرضهم لحقوق الملكية لمصلحة الشركات ذات الميزانيات العمومية الصلبة ؛ ومن خلال الاحتفاظ بمزيد من السيولة النقدية للفرص المحتملة في المواقف المتعثرة، والخاصة، والائتمان المنظم. أولويات نظراً للتصحيح الكبير للأسعار الذي مرت به الأسواق في الأسابيع الستة الماضية، تعد هذه مسألة يصعب الحكم فيها حالياً، وآمل أن أكون شديد الحذر في اقتراح الحل، لكنني أشعر بقوة، بأننا نعيش خلال لحظة حاسمة في عمر الأجيال، وأن الكثير منهم بدأوا الآن فقط بالفهم والاستجابة لمقتضيات الحاجة، وعلى هذا النحو، يجب أن يكون «التقليل من الندم» منطلقاً لقرارات العديد الشركات (تقليص الهالك النقدي وترتيب تمويل الطوارئ)، والحكومات (إعطاء الأولوية لحلول الرعاية الصحية التي تهدف إلى التعرف بسرعة إلى الفيروس واحتوائه، وعلاج مرضاه بشكل أفضل وتعزيز الحصانة) وحماية المستثمرين. * كبير الاستشاريين في «أليانز»

مشاركة :