قبلَ أيامٍ صدرَ تقريرُ وزارة الخارجية الأمريكية السنوي عن عام 2019. والتي تصدرها منذ عام 1976؛ وكسابقيه جاء في الجزء الخاص بالبحرين وبدول الخليج اتهاماتٌ وتناقضات ومزاعم بعيدة عن الحقيقة والحيادية؛ واستنادًا إلى أن الاكتفاء بالإدانة والشجب لا يكفيان على مثل هذه التقارير، واستمرارًا لما أقوم به بالردود وتصحيح المعلومات المغلوطة عن البحرين مدعومةً بالأرقام والحقائق باعتبار أن ما تتعرضُ له البحرين خطرٌ يهددُ أمنَها واقتصادها وسمعتها واستقرارها، فقد قمتُ بالرد أدناه وهذا تلخيصٌ لمعظم ما جاء فيه:- زعم التقريرُ أن البحرينَ تفرضُ قيودًا على ممارسةِ حرية الرأي والتعبير، فذكرت أن تلك الممارسة لا تعني بأي حالٍ من الأحوال الفوضى وتهديد السلم الأهلي، فالميثاق الوطني وأيضا الدستور كفلها، ولكن وفقًا للقانون. وأشرتُ إلى أنه انطلاقًا من ذلك تم في البحرين توفير الآليات والقنوات الشرعية للتعبير السلمي عن الرأي، ومن أبرزها: 1- السماح بتنظيم الندوات والمؤتمرات والمظاهرات والمحاضرات والحلقات النقاشية، إذ وصل عددها منذ 2001 وحتى نهاية 2019 حوالي 6609 ووفق إحصائيات عام 2019 بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت حوالي 98% من عدد السكان، وفي مواقع التواصل الاجتماعي قرابة المليونين ومائة ألف.2- لدى البحرين مؤسسات وجمعيات ولجان حقوق إنسان عددها «28» ما بين حكومية وبرلمانية وأهلية. 3- هناك قانون للصحافة يمنع حبس الصحفيين، وجمعية صحفيين، ويتخذ اتحاد الصحافة الخليجية والمكتب الإقليمي للاتحاد الدولي للصحفيين من البحرين مقرا لهما، وهناك نادٍ للمراسلين الأجانب ونادي البحرين للصحافة.4- لدى المملكة عددٌ كبير من التشريعات التي تحمي حقَ المواطنين في حرية التعبير التي لا تحرِّض على العنف أو تهدد أمنَ وسلامة المواطنين.أما بالنسبة إلى حرية تكوين الجمعيات السياسية، فقد أكدت أن المملكة هي الوحيدة في الخليج التي أطلقت حرية تكوين الجمعيات السياسية «أحزاب» وقننتها، ووصل عددها إلى «21» جمعية، كما شهد المجتمع المدني تطورًا من حيث الكم «631 منظمة حتى نهاية عام 2018 مقارنة بـ275 عام 2001».وعن وجود حالاتِ احتجازٍ بشكلٍ تعسفي وعدم مساءلة قوات الأمن التي ترتكب تجاوزاتٍ؛ فقد أكدتُ أن هؤلاء المحتجزين متورطون في أعمال إرهابية، وهددوا السلم الأهلي، ولهم أجندةٌ خارجية إيرانية ومرتبطين بمنظماتٍ إرهابية؛ ووُجهت لهم تهمٌ جنائية، وهؤلاء خضعوا لمحاكمات مرت بدرجات التقاضي المعمول بها دوليًّا، بوجود أهاليهم ومحامين، وفي معظم الأحيان ممثلين لبعض السفارات ووسائل الإعلام.أما حول ما زعمَ التقرير من حدوث تجاوزات؛ فأشرتُ إلى أنها حالاتٌ فردية خاصة، لا تعدُّ من قبيل الظاهرة وهذا ما أكده تقرير لجنة تقصي الحقائق وأن المملكة لا تتهاون مع أي نوعٍ من أنواع سوء المعاملة، وتم اتخاذ العديد من الإجراءات لمنع حدوث أي تجاوزاتٍ من قبيل:{ تركيب أجهزة سمعية وبصرية ووضع «كاميرات المراقبة CCTV» في غرف التحقيق والاستجواب. { إصدار مدونة سلوك لرجالِ الأمن، وإقرار برنامج تدريبي دولي يخضع له الموظفون في مجالي الأمن والقضاء، لتدريبهم على احترام حقوق الإنسان والالتزام بالقانون الإنساني الدولي والإلمام به. { إعطاء النائب العام الصلاحية الحصرية للتحقيق في مزاعم التعذيب وغيرها من أشكال سوء المعاملة.{إن الحالات التي حدثت فيها تجاوزات بالسجون ومراكز الاعتقال تم إخضاعها لعمليات تحقيق، وتقديم المتجاوزين للمحاكمة، والحكم على مَن ثبتَ عليه استخدام القوة بطريقة مخالفة للقانون. {إنشاء مكتب مستقل لأمين عام التظلمات، وندب ضابطين من ذوي الخبرة في التحقيقات الجنائية والتحري بوزارة الداخلية وعدد (4) أفراد مختصين بالبحث والتحري في جميع ادعاءات الوفاة والتعذيب والمعاملة اللا إنسانية تحت مسمى الشرطة القضائية.أما عن أوضاع السجون، فقد بينتُ أن المملكة تحرص على الالتزام بالمعايير الدولية بالنسبة إلى أوضاع السجون، فهناك امتيازات للسجناء كما هو موجودٌ بالدول المتقدمة، مثل صالات مكيفة رياضية ومشاهدة التليفزيون وقراءة الصحف ولقاء الزائرين من الأهالي وغيرهم، وعيادات صحية، وهو ما شهدتْ به اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كما أن هناك رقابة تُفرض من النيابة العامة وعمليات تفتيش دورية تتم على السجون ومراكز الاعتقال وهناك مفوضية حماية حقوق السجناء والمعتقلين التي شكلها جلالة الملك عام 2013. وهناك مذكرة تفاهم أبرمتها وزارة الداخلية مع الصليب الأحمر تسمح له بموجبها بزيارة مراكز الاعتقال والإصلاح.وعن تجريد بعض الأشخاص من جنسيتهم؛ أوضحتُ أن ذلك تمَّ بشكلٍ قانوني؛ بسبب صلتهم بأعمال إرهابية محلية ودولية، وهي أداةٌ لوقف الإرهاب ولحماية المجتمع، وتمت وفقا لقانون الجنسية، والذي يجيز ذلك ضد من يقوم بأعمال إرهابية أو يشجع عليها، أو من ينضم إلى جماعات محظورة أو ينشر بياناتٍ كاذبة ومغلوطة أو ينخرط بالخدمة العسكرية في دولة أجنبية دون موافقة الحكومة، أو ساعد دولةً معادية، أو جنَّد الشبابَ وغرَّر بهم للذهاب إلى دول أخرى للتدريب ليعودوا وينفذوا ما تدربوا عليه في وطنهم، وهي قوانين مطبقة في دول مثل بريطانيا، وبحسب قانون الجنسية لديها تستطيع سحب الجنسية من أي مواطن أصلي أو مزدوج الجنسية إذا اقتنع وزير خارجيتها بارتكابه أفعالا تمس مصالح البلاد، وإذا رأى أنه يتوافق مع المصلحة العامة، أو إذا تم الحصول على الجنسية من خلال طرق غير قانونية، وهو ما تم بالفعل عام 2017. حينما تم سحب الجنسية من 150 شخصا ممن ثبت انتماؤهم إلى داعش وجماعات إرهابية أخرى. وينطبق هذا الأمر على دول مثل فرنسا وألمانيا وأستراليا، التي تتبع القانون البريطاني، وكندا التي تتبع القانون الأمريكي. ومؤخرًا قامت أمريكا بسحب جنسيات من أشخاص انضموا إلى الجماعات الإرهابية مثل «داعش» والقاعدة. وعن مزاعم التقرير أن المرأة البحرينية لا تحصل على حقوقها، ذكرتُ أنه بذلك قد أغفل ما حققته المملكة للمرأة من تمكين في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهي تتمتع بحق التعليم والعمل والتملك والرعاية الصحية والاجتماعية، وتقلد المناصب القيادية، وتم منحها حقوقها السياسية ترشحًا وتصويتًا. ولعل أزهى عصورها هو الفترة الراهنة، إذ حازت قضايا تمكينها على اهتمام واضح، بما يعكس حقيقة وضعها في المجتمع، باعتبارها شريكًا في الوطن وعنصرًا فعالًا في عملية التطور والبناء.وتمكنت المرأة من تحقيق عدة تطورات في مسيرتها من خلال سن التشريعات، وإصدار قوانين لتمكينها سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، إلى جانب تأسيس «المجلس الأعلى للمرأة» عام 2001. و«الجمعيات النسائية»، التي وصل عددها 20 جمعية.ومثلت الانتخابات التشريعية عام 2018 ذروة التميّز بالنسبة إليها، متمكنة من رفع نسبة تمثيلها في المجلس الوطني بغرفتيه النواب والشورى من 15% إلى 18.75%، فضلا عن ترؤس سيدة المجلس النيابي لأول مرة وسيدة أخرى لرئاسة جمعية الصحفيين، وفيما يعد إنجازا تولت الشيخة «هيا بنت راشد آل خليفة» منصب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2006. أي إن المرأة البحرينية وزيرة وسفيرة ومديرة وقاضية ومحامية ورياضية وشرطية وصحفية، وهي الأمور التي تعكس حقيقة وضعها في المجتمع، والذي أتاح لها تحقيق كل هذه الإنجازات وغيرها. فيما يعدُّ التمكين الاقتصادي لها أيضا خيرَ دليلٍ على وضعها المتميز، فقد بلغت نسبة مشاركتها في القطاع العام نحو50% وفي القطاع الخاص32%، وبلغت نسبة رائدات الأعمال 38%، وحقق وجودها ارتقاءً عاليًا في قوة العمل في كثير من القطاعات، فبلغ نحو 80% في قطاع التعليم الأساسي والخدمات الصحية، وبلغت نسبة المعلمات والأكاديميات 74% والمحاميات55% والطبيبات 37% والمهندسات 25%. أما ادعاء التقرير بشأن ممارسة الطائفية، فكان الرد أنه تجن صارخ، حيث يتبنى نفس المزاعم الطائفية الزائفة التي تنسجها إيران وأذرعها وعملاؤها، فهناك تسامحٌ كبير إزاء اختلاف المعتقد أو الطائفة في المملكة بموجب العديد من التشريعات والمبادرات.ويمثل الشيعة سياسيًا بوجود20 نائبًا في مجلس النواب، وقبل اندلاع أزمة فبراير 2011. كانوا يمثلون الفصيل الأكبر في مجلس النواب «وكان لجمعية الوفاق الشيعية المعارضة وحدها 18 مقعدًا من إجمالي 40 مقعدًا»، كما أن هناك العديد منهم في مناصب عليا، منها منصبا نائب رئيس الوزراء، ورئيس مجلس الشورى، ووزير العمل المكلف بالإشراف على عملية التوظيف، كما أن عدد الموظفين الشيعة يفوق عدد الموظفين السنة بكثير في القطاعين الحكومي والخاص. ويتمتع كل المواطنين بالحق في حرية التعبير والعبادة وإنشاء المؤسسات.. ومن ثمَّ، لا صحة لأي ادعاءات أن الشيعة محرومون من حقوقهم. وفي ردي على منهجية التقرير ذكرتُ:أ- تمَّ جمع معلومات التقرير من تقارير صحفية ومنظمات حقوقية منحازة وغير دقيقة ومن جماعات معارضة، وهو ما يمكن اعتباره نقيصة في التقرير. ب- تقييم الأوضاع الحقوقية يعتمد على مقاييس نمطية منسوجة من النظام القيمي الغربي، دون مراعاة للفروق القيمية بين الدول المتمثلة في درجة التطور الديمقراطي والاقتصادي، أو الخصوصيات الدينية والسياسية والاجتماعية، والتي أجازها وسمح بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.ج- تركيزه على الجوانب السلبية، وإخفاء الجوانب الإيجابية، هو نوعٌ من عدم الموضوعية، وتفقد التقرير مصداقيته، وهو ما يظهر في إلقاء الاتهامات دون أدلة، اعتمادًا على حالات فردية. ويظهر ذلك في تركيزه السلبي بإغفال جهود البحرين المتواصلة في تعزيز حقوق الإنسان، والذي عكسته ثقة المجتمع الدولي في انتخاب المملكة، عام 2019 ولمدة ثلاث سنوات عضوًا بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بنسبة تصويت بلغت 165 صوتًا من 192. د- هناك العديد من المشاكل الهيكلية بالتقرير، والتي تقلل من مصداقية وموثوقية استنتاجاته وافتراضاته، ولعل أوضحها حقيقة أن التقرير لا يتضمن تحليلا لحالة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة؛ وذلك على الرُغم من كون التقرير صادر عن وزارة الخارجية ما يعني أن هذه الفجوة ستجعل من المستحيل المقارنة بين أوضاع حقوق الإنسان في الدول الأخرى بالولايات المتحدة.وفي الختام، فإن ما ورد في التقرير عن البحرين اعتمد في تقييمه على معلومات صادرة عن جهات معارضة ومضللة وغير دقيقة، وهو ما استلزم الرد على ما جاء فيه من مغالطات. وعليه، نتمنى من «الخارجية الأمريكية» عند إعداد تقريرها السنوي أن تكون معلوماتها موثقة وتتضمن الرأي والرأي الآخر. وإلى أن يحدث ذلك، تبقى هذه التقارير منحازة وغير حيادية وغير موثوقة.
مشاركة :