الزعبي تكتب: التكييف القانوني لكورونا

  • 3/30/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لقد أثارت جائحة كورونا الخوف والرهبة في العالم أجمع، فكانت ردة فعل الحكومات متباينة؛ فمنها من وضع صحة المواطن في مقدمة أولوياته ومنها من أخذ بعين الاعتبار أن آثار فيروس كورونا لا تقتصر فقط على الجانب الصحي بل تتعداه إلى جوانب أخرى اقتصادية مثلا التي لا تقل أهمية في الحياة العامة للفرد والدولة على حد سواء . هذا الأمر أكدته الإجراءات التي اتخذتها الحكومة حينما قررت وقف الكثير من الأنشطة الاقتصادية إما بشكل كامل أو بشكل جزئي وفرض حظر التجول داخل البلاد. وعليه فان تبعات الحظر كانت سببا في تأجيل العديد من الالتزامات القانونية وعلى وجه الخصوص التعاقدية منها التي يكون عدم تنفيذها مضرا لمصلحة المتعاقد او حتى الغير، مما يزيد كل يوم من احتمالية عدم وفاء الأشخاص الطبيعين والمعنويين بالتزاماتهم التعاقدية. علما بأن بعض القطاعات على خلاف الباقي، عرفت نموا كبيرا بسبب انتشار هذا الفيروس، خاصة تلك المتعلقة بالتجارة الالكترونية الا أن الأردن تعتبر متأخرة بعض الشيء عنها. وفي هذا السياق تطرح كثيراً من التساؤلات حول مصير العلاقات المدنية والتجارية بين الاشخاص الطبيعيين والمعنويين (خاص/ عام) وترتب التزامات وحقوق لمختلف أطراف العلاقة التعاقدية، وحول الأثر القانوني المترتب على عدم تنفيذ او تأخير هذه الالتزامات بسبب انتشار فايروس كورونا. فنجد أن الأمر المؤكّد الوحيد الذي سينتشر بسرعة انتشار الكورونا هو الدعاوى القضائية التي ستُرفع على أساس أحد الخيارين لاعادة التوازن المالي للعقود اما الدفع "بنظرية الظروف الطارئة" او التذرع بحالة "القوة القاهرة". لكن الإشكالية هنا تكمن في التطبيق العملي الذي يثير جدل حول معرفة ؛ إلى أي حد يمكن اعتبار فيروس كورونا قوة قاهرة يبرر انتفاء مسؤولية أحد المتعاقدين لتبرير عدم تنفيذ التزاماته ؟ أم أنه مجرد ظرف طارئ بحيث يكون سببا في تراخي تنفيذ العقد وليس سببا لتبرير فسخه ؟إن الجواب على جملة هذه الإشكاليات يستوجب بداية التسليم بأننا أمام إشكال قانوني اقتصادي، متمثل بوجود واقعة مادية صرفه تسمى "وباء كورونا" لها تأثير سلبي على العلاقات التعاقدية مما يجعل الالتزام صعب التنفيذ أو مستحيل. مما يفرض علينا الوقوف على بعض مداخله الأساسية لضمان التوازن المالي للعقود :- أولا : ان الفارق الأساسي في تنفيذ الالتزام بين نظرية الظروف الطارئة والقوة القاهرة هو مبدأ "الاستحالة". بمعنى أثره في نظرية الظروف الطارئة يستوقف عندما يكون فيها تنفيذ الالتزام مرهِقاً لأحد الاطراف او كليهما وليس مستحيلا، أي إن بمقدور المتعاقد أن ينفذ التزامه لكنه لن ينجو من الخسارة، فهذه النظرية هي حالة وسط ما بين الظروف العادية التي يتحملها كل متعاقد والقوة القاهرة التي تجعل تنفيذ الالتزام مستحيل. والعبرة هنا ليست بالتنفيذ أو عدم التنفيذ بل العبرة بالارهاق، فإذا نفذ المتعاقد العقد وكان التنفيذ مرهقا فانه يستحق التعويض. ويكون الجزاء هو رد الالتزام المرهِق إلى الحد المعقول وتوزيع الخسارة على الطرفين. أما إذا تجاوزت الخسارة الحد المألوف واصبح تنفيذ الالتزام مستحيلا إما كلياً أو جزئياً، فهنا يمكن التذرع بتطبيق نظرية القوة القاهرة بعد التحقق من توافر الشروط الاتية مجتمعة ؛ وهي أن تكون الواقعة التي يتمسك بها المدين لا يد له فيها ولا يمكن أن يتوقعها ويستحيل التنفيذ بسببها. والجزاء فيها هو فسخ العقد كلي او جزئي وانقضاء الالتزام. ثانيا: بإسقاط ما سبق بيانه يأتي الأمر المؤكد بأن الوباء كان متوقع وصوله الى البلاد لكن حدوده ونسبة تطوره هي التي لم يكن من الممكن توقعها. فعليه الامر يستدعي معالجة كل حالة على حدة ؛ اي علاج الحالة التي يصبح فيها الالتزام التعاقدي مستحيل التنفيذ "القوة القاهرة"، أو صعب التنفيذ "الظروف الطارئة". علما بأن الفئة المستهدفة من أنواع العقود هي العقود الممتدة او ما تسمى بالعقد المستمر الذي يكون الزمن فيه عنصرا جوهريا مثل عقد العمل وعقد الايجار وعقد التوريد. وبناءا عليه ستلجأ الشركات وخاصة تلك التي تعتمد على سلاسل التوريد الى الدفع بوجود قوة قاهرة، مثل الصناعات الثقيلة، والمقاولات، والفنادق، والنقل، وخدمات المطارات والموانئ، والاستيراد والتصدير، وغيرها. وقد لوحظ مؤخرا اغلاق كلي لبعض الأنشطة الاقتصادية وجزئي لبعضها الاخر، مما يستدعي التسليم بأن هذا الفيروس إلى حدود فترة معينة لم يجعل تنفيذ الالتزامات مستحيلا ؛ قد يكون مرهقا نوعا ما لكن ليس مستحيلا بحيث بقيت بعض الأنشطة الاقتصادية تباشر عملها، وبالتالي يمكن القول بأن دعاوى القوة القاهرة ستصبح معقدة، ومحل خلاف بين الأطراف عند اختلال شرط عدم التوقع بشكل نسبي عندما لا تتسبب تبعات الحظر في التأثير بشكل مباشر على العمل. الحلول المقترحة : اولا: الاستناد الى فكرة "العقد شريعة المتعاقدين" هنا نفرق بين عقود القانون الخاص والقانون العام : وبناءً عليه ، الارادة هي الأساس لأي عقد ، وبذا يعود التوازن المالي للعقد الى الارادة المفترضة لطرفي العقد. فيمكن تعديل الالتزامات التعاقدية عن طريق تعديل قيمتها أو مدتها أو اقتطاع جزء منها تقاسم الخسائر أو لجوء الى فسخ العقد. في حين نجد أن الأمر يختلف في نطاق العقود الإدارية بحيث يكفي الرجوع لمبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد لتبرير التوازن المالي للعقد فهي قاعدة مقررة، حيث تغلب فكرة مرونة العقد على قاعدة القوة الملزمة للعقد. فاذا كان ابرام العقد الاداري مع الدولة يعد عملية استثمارية لكنها تنطوي ايضا على مخاطر اقتصادية تحتمل الربح والخسارة ، فيتعين ان يتحمل المتعاقد جزء من التكاليف والاعباء التي نجمت عن هذا الظرف الطارئ مع التزامه بالاستمرار بتنفيذ العقد بهدف تحقيق المصلحة العامة وهو عدم توقف المرافق العامة عن تقديم الخدمة المنوطة به الى الافراد. أما في حال لم يتم الاتفاق بين اطراف العقد يمكن لجوء الى القضاء أو التحكيم. ثانيا : اختيار احد اطراف العقد لجوء الى القضاء او التحكيم : لا شك أن عملية التمييز بين القوة القاهرة والظروف الطارئة مسألة واقع تختلف حسب ظروف كل حالة على حدة يقدرها قاضي الموضوع أو المحكم الذي له الصلاحية لاعتبار فيروس كورونا كذلك أم لا، فيقضي إما بالإعفاء من المسؤولية أو بثبوتها. وبالتالي يتم التصدي لتكييف الوقائع التي يدعي المتعاقد بأنها حالت دون تنفيذ العقد فسيأخذ بعين الاعتبار مسألة تأثر العمل او العقود بشكل مباشر في الظروف الحالية التي تسبب فيها فيروس كورونا. وبالتالي نكون بصدد ثلاث فرضيات : في حالة عدم التأثر يستلزم لكلا الطرفين تنفيذ التزاماتهما التعاقدية. اما إذا كان تنفيذ الالتزام يرهق المدين فنطبق نظرية الظروف الطارئة. لكن السيناريو الاخير وهو أقرب الى الواقع في حال إذا كانت حالة القوة القاهرة مؤقتة ، فقد يكون من الممكن تنفيذ جزء من العقد والجزء الآخر الذي يصبح من المستحيل تنفيذه يمكن إزالته و/أو تعليق جزء منه بشرط ألا يسبب هذا التعليق ارهاق شديد لأحد الأطراف المتعاقدة. وهنا لابد لنا من التمييز بين الحالة التي يتم اللجوء فيها الى التحكيم ويكون ذلك من خلال مسارين : أولا من خلال شرط التحكيم و يكون قد اتفق اطراف العقد ابتدأ وعند ابرام العقد على ان يتم حل الخلافات التي قد تنشأ في المستقبل من خلال التحكيم. وثانيا : مشارطة التحكيم وهذه الحالة التي يتفق فيها الأطراف بعد ابرام العقد وعند حصول الخلاف بين اطرافه ان يتم تسويته من خلال اللجوء الى تحكيم في هذه المرحلة ، وعليه فأن المحكم هو صاحب الصلاحية في تحديد الطبيعة القانونية لهذه الازمة . ثالثا وأخيرا : ان تقوم الحكومة بمنح شهادات "القوة القاهرة" للشركات لتقليل الخسائر الناجمة عن عدم الوفاء بالمسؤوليات التعاقدية بسبب تفشي الوباء او قد يستلزم الامر تدخل تشريعي بالنص على اعتبار أن الوضع الصحي العام الذي تمر به البلاد من قبيل القوة القاهرة المؤقتة : ظهرت فكرة شهادة القوة القاهرة التي أعلن عنها المجلس الصيني واخذت بها الولايات المتحدة الامريكية، فاصدرت حكوماتهم مباشرة شهادات لإثبات القوة القاهرة لعدد من الشركات والمؤسسات في مجالات مختلفة، من أجل التحلل من التزاماتها ومسؤولياتها التعاقدية -التي عجزت عن الوفاء بها - تجاه زبائنها وعدم أداء غرامات التأخير أو التعويض عن التأخير في التنفيذ أو عن استحالته وبالتالي مساعدتهم في حماية حقوقهم وتقليل الخسائر الناتجة عن فيروس كورونا. لكن الإشكالية التي ستدور حول مدى الزامية هذه الشهادة دوليا ومحليا وهل القاضي الوطني او المحكم ملزم بالاخذ بها ام تبقى مصدر استرشادي فقط؟ ننتظر التطبيقات القضائية والجمل التحكيمية التي برأينا على الاغلب ستأخذ هذه الشهادة كمصدر استرشادي فقط تطبقه على كل حاله على حدة . خلاصة القول، أن آثار فيروس كورونا المباشرة والتي ستثير الكثير من النقاش نظرا لتوقف العديد من المتعاقدين عن الوفاء بالتزاماتهم من وجهة نظرنا، لا تعتبر قوة قاهرة يتذرع فيها الجميع، والتوسع بتطبيقها سيخلف أعباء ثقيلة على احد اطراف العقد وخصوصا اذا كنا أمام العقود الإدارية التي تحكمها مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد. مع التسليم، بإن بعض الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها السلطات المعنية تشكل في حد ذاتها صورة من صور القوة القاهرة المؤقتة فإنه يترتب عليها عدم إمكان التنفيذ مؤقتاً أي أن الالتزام لا ينقض بل يقف فحسب أثناء تلك الاستحالة التي تعتبر من مبررات تأخير الالتزام وليس الاعفاء منه، وبذا يستأنف سيره ويتم الوفاء به بمجرد زوالها.الا انه ومن المؤكد ان المحاكم الأردنية ستشهد عدد كبير من الدعاوى الحقوقية الناتجة عن هذه الازمة، وسوف يؤدي ذلك الى اصدار العديد من الاحكام القضائية في هذا الشأن الا اننا نتمنى ان يتم توحيد الاجتهاد القضائي في هذا الشأن وذلك بتحديد الطبيعة القانونية لهذه الازمة وهل تعتبر من قبيل القوة القاهرة او الظروف الطارئة ، حيث ان توحيد الاجتهاد يؤدي الى استقرار كبير في المراكز القانونية وانصاف لجميع المتعاقدين وخلاف ذلك سوف تصدر احكام قد يكون فيها تناقض ويؤدي الى ضياع بعض الحقوق لدى اطراف العقود .

مشاركة :