نحو مراجعة عاجلة لقانون الجمعيات السياسية

  • 6/15/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

المرحلة الفاصلة بين عودة الحياة البرلمانية في البحرين وحتى ازمة 2011 حولي عشر سنوات، وهي التي تترجم الحصيلة السياسية على صعيد الإصلاح، والتي كانت في تؤشر إلى الإيجابية في مجملها-رغم كل ما اعتراها من نقائص، فقد كانت حصيلة مثمرة سواء على صعيد التشريعات المعززة للحريات والمشاركة السياسية والحقوق المدنية أو على صعيد الأدوار المتعاظمة لمؤسسات المجتمع المدني والحراك الاجتماعي-السياسي والإعلامي، إلى ان فوجئ الجميع بالأزمة التي كانت بمثابة انتكاسة او انعطافا خارج السياق.. وبغض النظر عن العديد من الاعتبارات العديدة التي كانت وراء هذه الازمة وتحولاتها وفقا لأحوال محددة، محلية وإقليمية ودولية، فإن حصيلة التجربة قد اتسمت على الصعيد السياسي بظهور وسيطرة الجمعيات السياسية-الدينية-الطائفية، مستغلة الثغرات الموجودة في قانون الجمعيات السياسية وتسامح الدولة مع تصرفاتها وأفعالها وأقولها المتسمة بتغذية النعرات الطائفية، حتى وهي تعبر عن مواقف سياسية.. فكانت بذلك الوجه الأكثر بؤسا في هذه التجربة، ولعها كانت السبب الرئيسي لما يعانيه المجتمع من انقسام غير مسبوق. فبدلا من أن تلعب هذه الجمعيات دورا إيجابيا في نمو وتطور المجتمع المدني عامة، والمجتمع السياسي خاصة، في اتجاه تعزيز الثوابت الوطنية، نحو وحدة المجتمع ومدنية الدولة وعمومية الحريات لتشمل المرأة، وبدلا من ان تلعب هذه الجمعيات دورا في تحجيم النعرات الطائفية، فإنها كانت وراء حراك معاكس لحركة التاريخ. وهذا يطرح السؤال الموضوعي التالي: ما الذي جنيناه من وجود مثل هذه الجمعيات؟ سواء على صعيد الثقافة السياسية أو على صعيد التمكين السياسي للمرأة والأقليات، او على صعيد قوة الإصلاح والاقتراح، أو على صعيد تعزيز البنيان الوطني ونقل الناس من طور الطائفة الى طور الدولة المدنية عند الاشتغال بالسياسة؟ السؤال أعلاه لا يخص الحالة البحرينية فحسب، بل يخص كل حالة مشابهة يتنظم فيه المجتمع السياسي-في منحاه الأعم-من خلال أحزاب وجماعات سياسية-طائفية، رأينا ذلك في البلدان التي كانت البنية الطائفية فيها قوية ومهيكلة بشكل يجعلها منافسة للدولة أو حتى أقوى منها في بعض الأحيان، ولا يهمنا في هذا السياق مسمى الطائفة أو نوعية الطائفية، فهي في النهاية تتساوى في الممارسة وفي النتائج الكارثية التي تحل بالمجتمع من عدة جوانب: - أولا: إعاقة التطور الطبيعي للمجتمع، ومنع تكون الوحدة المجتمعية الوطنية المدنية التي كانت وراء نشوء الدولة المدنية في أغلب البلدان الأوروبية، فوجود الطائفة وتمركزها الجغرافي والسياسي واستحواذها على الموارد واحتكارها للسلطة (الأسرية كتشريع ديني طائفي) وقدرتها على جمع المال، وترويجها لقراءتها للتاريخ وللمستقبل وامتلاكها لسلطات معنوية مطلقة، جعلها في الكثير من الأحيان تمتلك سلطات أكبر من سلطة الدولة نفسها، في التوجيه والقيادة والتعبئة. - ثانيا: يتولد عن سلطة الطوائف ما يمكن تسميته بالعصبية الطائفية التي تتأسس على ذوبان الفرد في الجماعة التسلطية على أساس المرجعية الطائفية المخصوصة المغلقة والمنتجة لإيديولوجية متعصبة متطرفة، أساسها الكراهية والانغلاق، بما يجعلها أداة لتفتيت المجتمع وأداة لفرض التحكم في رقاب الناس، وبذلك تعيق الطائفية تأسيس مؤسسات المجتمع المدني الحقيقية ـالأحزاب السياسية والمنظمات المهنية والاجتماعية الفاعلة المبنية على أساس وطني وعقلاني- بل وتؤدي إلى تشويه العمل السياسي وعرقلة تكوين الوعي الوطني المستند إلى مفهوم المواطنة. - ثالثا: المصيبة الكبرى هذه الجمعيات السياسية الطائفية قد استغلت حرية العمل السياسي والديني والطائفي لتنشط في اتجاه تمرير ونشر خطاب معاد دولة المدينة وللوحدة الوطنية ( بغض النظر عن التظاهر الانشائي بالتمسك بها على صعيد الشعار)، بما أسهم في إطالة عمر هذه البنية الطائفية وتقويتها وجعها تمارس قدرا واسعا من الابتزاز للجميع، وهذا ما أسهم في تشويه المشهد السياسي، وبناء التحالفات الغريبة، فالبنية الطائفية للمجتمع شبيهة بالبنية القبلية في بعض المجتمعات، مغرية وسهلة الاستخدام، فهي خزان الأصوات والحشد، ويتحكم فيها أفراد قليلون لهم قدر من القدسية والقدرة على التأثير.. بما يحول الصراع الاجتماعي المدني السياسي في المجتمع إلى صراع فئوي-طائفي مثلما شهد بعض فصوله في الحملات والخطابات التحريضية. - رابعا: إن المنطق الطائفي قاد المشهد السياسي إلى نشر أنواع متنوعة من الكراهية وتدمير أسس التسامح والتعايش السلمي بين المواطنين الذين تتقاسمهم الطوائف، والاخطر من ذلك أن الصراع السياسي الديمقراطي الذي يهيمن عليه هذا المنطق بشكل أو بآخر قد افضى إلى فكرة أن العمل السياسي يجب أن يقود الى إنهاء سيطرة مفترضة لطائفة لإحلال سيطرة طائفة أخرى، فينحرف الصراع المدني الوطني الديمقراطي ليتحول نحو آلية طائفية، لتخريب وعي الناس وتشويهه. وهذا الخطاب هو الذي أنتج الإرهاب والقتل على الهوية والتفجيرات اللانسانية التي تطال المساجد والمآتم والتجمعات السكانية، بلا هوادة، هذا ما أنتجه هذا الخطاب الذي يسمى الشركاء في الوطن (كفارا أو كلابا وأعداء، أو خونة......)، إنه ينتج حروبا تدميرية مستحضرا ثارات تاريخية وهمية، يستبيح من خلال روايتها دماء (المسلم) أو يحرق أو يهدم مقدسا دينيا، باسم الطائفة، مثلما نشهده اليوم في العيدي من مناطق الإقليم، بشكل غير مسبوق، بفعل تغلغل الطائفية في كل أركان الدولة والمجتمع.. إن الدولة إذا ما سمحت للطائفية السياسية بالنمو والازدهار، وإذا ما سمحت للأحزاب والجماعات والخطابات الطائفية بالتواجد علنا وممارسة إفسادها للعقول والنفوس، تكون قد سمحت بتدمير بنيتها الوطنية وتآكل ووحدة شعبها، ولذلك فإنه، وبالإضافة إلى الحاجة لبناء مجتمع ديمقراطي يتساوى أفراده أمام الدولة وأمام القانون، هنالك حاجة ماسة إلى محاربة الطائفية والحد من تأثيرها، وفي مقدمة ذلك مراجعة قانون الجمعيات السياسية في اتجاه الحضر الكامل والقطعي لإنشاء او تكوين جمعيات ذات طابع ديني او طائفي شكلا او مضمونا، صراحة او ضمنا، بما سيقود إلى إعادة الترخيص للجمعيات على أسس جديدة بعد مراجعة عميقة لهذا القانون ولوائحه التنفيذية، وبما يجعل عملية استغلال الدين والطائفة مستحيلا شكلا ومضمونا. إننا لم نجن من الجمعيات السياسية الطائفية إلا الكوارث والمصائب ونشر ثقافة متعصبة وغير رشيدة، ولذلك وجب التوقف عند هذه الحقيقة ودراستها بعمق وجدية في مؤتمر أو منتدى وطني يشارك فيه كبار المفكرين والساسة، يتم خلاله استعراض التجارب التي اغرقت بلدانا عديدا في الفوضى والحروب بسبب وجود جمعيات وأحزاب دينية وطائفية، وذلك تمهيدا لمراجعة هذا الحالة واقتراح الحلول والضوابط والرؤى التي تحمي المجتمع من هذه الكارثة. مع التأكيد دوما بأن الطريق إلى الديمقراطية وإلى الجماهير لا يمر بالضرورة عبر الطوائف والمذاهب.

مشاركة :