شكّل انتخاب الشاب الثلاثيني النائب سامي الجميّل رئيساً لـ «الكتائب اللبنانية» محطة بالغة الدلالات في تاريخ هذا الحزب المخضرم، الذي يختصر مساره السيرة الذاتية للبنان الحديث، منذ ما قبل الاستقلال الاول (1943) والى ما بعد الاستقلال الثاني (2005) وما بينهما، من صفحات بيض وسود، لعلّ أبرزها تجربة الحرب الاهلية (بين 1975 و 1990). وبدا نقل الرئاسة في حزب «الله الوطن والعائلة» من الأب، أي الرئيس أمين الجميل، الى الابن، في سياق تجديد شباب الكتائب التي دهمتها الشيخوخة بعدما ناهز عمرها 79 عاماً، وسْط انطباع بأن سامي الجميّل الذي تبوأ منصبه القيادي أباً عن جد (في اشارة الى المؤسس بيار الجميّل) سيطبع الحزب بأداء جديد، ولكن من دون تغيير في خياراته الأساسية التي جعلته يتموْضع في «14 آذار» التي يحلو للكتائبيين وصْفها بأنها «كونفيديرالية أحزاب». وبعد انتخابات أمس، التي توّجت المؤتمر العام للحزب، والتي طبعها ترشّح ثمين للزميل في صحيفة «النهار» بيار عطاالله، نزَع عنها صفة التزكية، تُفتح صفحة كتائبية نجح عبرها الرئيس الجديد في احتواء اعتراضات مكتومة سواء من ابن عمّه نديم بشير الجميّل، او من الحرس القديم الذي رأى أن من المبكّر عزوف الجميّل الاب عن رئاسة الحزب في لحظة تحديات ما فوق عادية، اولاً على الساحة المسيحية التي برز مأزقها في سقوط رئاسة الجمهورية في فخ الفراغ منذ أكثر من عام، وثانياً على الصعيد اللبناني، حيث صارت المواجهة بين معسكريْ «8 آذار» و«14 آذار» مكشوفة على الصراع الكبير في المنطقة المشتعلة بالحروب. ورغم ان الشيخ أمين (اي الرئيس أمين الجميل) يتجه بانتخاب نجله خلفاً له الى التقاعد الحزبي، إلا انه لن يتخلّى عن مقعده السياسي، هو الذي يبقى اسمه مطروحاً لرئاسة الجمهورية. علماً انه اعلن بعد الإدلاء بصوته أمس، انه «منذ أن نشأ الحزب وهو يقوم بتوجيه رسالة خير ورسالة ديموقراطية وحرية لكل لبنان»، آملا أن «تكون هذه التجربة الديموقراطية رسالة كي نتّعظ مما يحصل وننتخب رئيسا للجمهورية في أسرع وقت»، ولافتاً الى ان «معركة الرئاسة تتحكّم فيها مجموعة من المعطيات، واسمي مطروح، ولكن المهم بالنسبة لي هو انتخاب رئيس بأسرع وقت وأن يكون قادراً على قيادة السفينة». وبانتخاب سامي الجميّل، الذي صعد نجمه في الاعوام القليلة الماضية، لا سيما بعد استشهاد شقيقه الوزير بيار الجميل (اغتيل في نوفمبر 2006)، تكون «الكتائب» قدّمت أصغر رئيس لها منذ تأسيسها، وهو الثالث من عائلة الجميّل، في حين جاء 4 رؤساء للحزب من خارج السلالة، وهم إيلي كرامة وجورج سعادة ومنير الحاج وكريم بقرادوني. ومع انتقال رئاسة الكتائب الى الجميّل الابن، بدا لبنان امام ظاهرة قديمة من التوريث السياسي، الجديد فيها ان الآباء يسلّمون أبناءهم وهم على قيد الحياة، كما حصل مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي سلّم المشعل لنجله تيمور، وهو ما يتحضّر النائب سليمان فرنجية للقيام به مع ابنه طوني. يُذكر ان سامي الجميّل وُلد في بكفيا قضاء المتن الشمالي، في الثالث من ديسمبر العام 1980، ونال اجازة في الحقوق من «جامعة القديس يوسف» في بيروت العام 2003. اما دراساته العليا في القانون الدستوري فنالها في 2005 من نفس الجامعة. وبدأ الجميّل الابن العام 1999 نضاله الحزبي فكان عضواً في «كتائب القاعدة» وهم شباب المواجهة لإنهاء ما كان يعتبره «الاحتلال السوري في لبنان». وتسلم العام 2003 رئاسة مصلحة الشباب في الحركة الإصلاحيّة الكتائبية قبل ان يشارك العام 2005 في تأسيس حركة «لبناننا» مع مجموعة من الشباب المستقلين (من ابرز طروحاتها الفيديرالية)، ليتولى في 2007 قيادة مجلس الشباب والطلاب في «الكتائب» ويُعيَّن منسِّقاً عاماً للجنة المركزية في الحزب العام 2008.
مشاركة :