تثير الجوائز الأدبية والثقافية في الوطن العربي من حين إلى آخر زوبعة من التساؤلات بعضها موضوعي جاد، وبعضها الآخر لا يعدو كونه موقفاً سلبياً يعبر عن مرارة هزيمة المبدع وانكساره على عتبات الجوائز، ولا يستند إلى حجج صحيحة أو منطقية، بل يعد تحاملاً صريحاً مجافياً لمعطيات الواقع. شغلت هذه القضية الكثير من المبدعين المهجوسين بالجوائز، الشغوفين بها، وأسالت أقلاماً كثيرة وملأت الكثير من المساحات البيضاء في الصحف الورقية والإلكترونية والمجالات الثقافية إلى درجة تشعر القارئ بألا شيء يشغل هؤلاء وأولئك غير الجوائز الأدبية وكأنّ الموضوع متعلق بعائداتها المادية والمعنوية وليس مرتبطاً بالإبداع نفسه. يحاول الكاتب التونسي أبو بكر العيادي في مقاله المعنون: الموقف من الجوائز الأدبية مناقشة هذه القضية من خلال إطلالة سريعة يخاتل فيها هذا الموضوع المهم والحيوي، على الاستحياء من دون أن يكلف نفسه عناء الغوص في عمقه. ويعمد في مستهل المقال إلى الحديث عن مواقف المبدعين من الجوائز المعلومة بالضرورة لدى العامة، والتي تتوزع ما بين منتصر ومنهزم ولامبال قبل أن يستغرق في طرحه الذي لم يقدم فيه جديداً على ما هو معروف، كاشفاً عن سر هذا الاهتمام بقوله: والحق أننا نولي الجوائز من الأهمية فوق ما تستحق، وننظر إليها كحكَم فصلٍ بين جيّد الأدب ورديئه، والحال أنها مسابقة لها شروطها وذائقة القائمين عليها وأمزجتهم.. ومن ثم لا يمكن اعتبار قرار هذه اللجنة أو تلك مقياساً أسمى نزن به العمل في المطلق. ولئن كان هذا الموقف أو الحكم صحيحاً في ظاهره إلا أنه سيق مساق الشك ما يطرح بالمقابل جملة من الأسئلة، ما سبب هذا التحامل الكبير والتركيز المبالغ فيه على الجوائز الأدبية العربية؟ وكيف يتسنى لمن لا يحيط علماً بمكنوه الجوائز العربية أن يناقشها بهذه الطريقة؟ ولماذا لم يذكر الكاتب نماذج من المشهد الثقافي العربي حتى يربط القارئ بواقعه بدل التحليق خارج السرب وسوق نماذج غربية تختلف تمام الاختلاف، بنية ومضموناً، عن البيئة العربية؟ يظهر في تضاعيف المقال افتنان الكاتب، كما غيره كثير، بالغرب وثقافته حتى أصبحت نظرتهم له ورؤيتهم لما يجري فيه من حراك إبداعي أو منجز علمي أحكاماً تسقط سلباً على المشهد العربي من دون مراعاة الفارق في السياق والأنساق، وخصوصية التجربة وفضائها، ولا يخفى ما في ذلك من استسهال وبعد بيّن عن جادة الصواب ونأي عن الحقيقة. المفارقة الغريبة أن الكاتب يتحدث عن الجوائز الأدبية العربية كما يفهم من استهلاله، لكنه يضرب صفحاً عن إيراد نماذج من هذه الجوائز التي تتقاصر في طِلابها همم المبدعين، ويتحدث في الوقت نفسه عن جائزة غونكور الفرنسية مستعرضاً أسماء بعض من تقدم لها ولم ينلها رغم تميّز عمله وجدية إبداعه، ومن تحصّل عليها رغم عدم أهليته لذلك، ويبدو أن الكاتب حاول من خلال الحديث عن هذه الجائزة، التي يبدو أنه أعرف بها من غيرها، التأكيد أن الجوائز ليست مقياساً نزن به العمل في المطلق، وهو حكم له حظ من الحقيقة وقابل للرأي والنقاش، لكن ما علاقة غونكور الخاصة بالأدب المكتوب باللغة الفرنسية بالفضاء العربي؟! وهل يمكن اعتبارها أساساً يقاس عليه ما سواه بقطع النظر عن اختلاف التجربة، وتباين النسق الثقافي؟ خلاصة القول إن الجوائز الأدبية العربية شأنها شأن غيرها من الجوائز في العالم لها ما لها وعليها ما عليها، ولا يمكن النظر إليها من زاوية واحدة أو الحكم عليها من خارج الفضاء الثقافي الذي تنتمي إليه، والذي له، بالضرورة، محدداته الخاصة وخصوصيته الخالصة، كما لا يمكن الارتهان إلى مقاربات أشبه ما تكون بالوصفات السريعة التي تعد لغايات آنية في تشخيص هذه القضية ومقارباتها لافتقارها إلى الطرح الجاد والموضوعي، وعدم معرفتها الكافية بتفصيلات الموضوع وما ينطوي عليه من خصوصية وتبقى الجوائز الأدبية العربية في نهاية المطاف محفزاً أساسياً على الإبداع.
مشاركة :