حاوره/بدر محمد بدر-القاهرة اعتبر الناقد الأدبي والأستاذ بكلية آداب عين شمس حسام عقل أن الثقافة المصرية الرسمية الآن تمر بأضعف حالاتها وتعاني شبه انهيار كامل منذ يوليو/تموز 2013. وأضاف عقل، في حديث خاص للجزيرة نت، أن الوسط الفكري الرسمي تحوّل من الحالة المكارثية إلى الحالة الفاشية في غياب شبه كامل للحريات، وهو ما خلق وضعا متأزما في مصر. وأشار عقل إلى أن نخبة ثقافية بدأت تتشكل الآن بتنوع طيفي باعث على التفاؤل، بعيدا عن وسائل الإعلام، لتقدم طرحا ثقافيا لمرحلة جديدة تسودها قيم الحريات والعدالة والتعددية والتنوع. كيف ترى ملامح الخطاب الثقافي للسلطة بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013؟ لا يوجد خطاب ثقافي واضح، والثقافة ليست في أولويات النظام في هذه المرحلة، وإذا كانت في أولوياته فهي من باب الترويج لأطروحات بعينها، لكن لا أتصور أن الثقافة كثقل ومؤسسة ودور نشر وفعاليات في أولويات النظام الآن، بل إنه يركز على إنفاذ الخيار الأمني، وإنفاذ التصور السياسي الذي يراه ملائما للمرحلة. وبالتالي أتصور أن الثقافة المصرية الآن، على المستوى المؤسسي، تمر بأضعف حالاتها، فهناك شبه انهيار داخل المجلس الأعلى للثقافة، وهناك شبه انهيار داخل هيئة الكتاب، ودار الكتب والوثائق القومية، وهناك ارتباك وشبه تكلس وتجمد داخل اتحاد الكتاب، والجانب المؤسسي من العمل الثقافي يشبه إلى حد كبير شواهد القبور. روج بعض المحسوبين على الثقافة لسياسة القمع والإقصاء لكل من طالب بالحريات والشرعية بعد الانقلاب، فما تفسير هذا الموقف برأيك؟ للأسف الوسط الفكري الآن في مصر يعاني من حالة كنت أسميها عن طريق الخطأ أو التخفيف حالة مكارثية، بمعنى إقصاء المخالفين أو تهميشهم، لكن الوضع الآن انتقل من الحالة المكارثية إلى الحالة الفاشية. فأي مثقف يبدي أطروحة مخالفة للتوجه العام الآن يطارد ويلاحق ويحاصر، ويضيّق عليه الخناق في الصحافة ووسائل الإعلام ومنابر الثقافة ويشهر به. هذا وضع متأزم، فيه مصادرات للكتب والمطبوعات والمقالات، الأمر الذي أجبر البعض على إيثار الانسحاب الكامل من المشهد، محتجين أنه لا يمكن لأي عمل ثقافي أن ينجح دون سقف أو فضاء من الحريات. البعض يرى أن الفضاء الثقافي أصبح حكرا على تيار علماني ويساري إقصائي، وأدى ذلك إلى حدوث صدمة لشباب المثقفين.. فهل هذا صحيح؟ هذا صحيح بلا جدال، ونظرة سريعة على عضوية اللجان الفنية بالمجلس الأعلى للثقافة تجعلنا نكتشف أن الذين يشكلون نسق وعضويات هذه اللجان هم الموالون للمرحلة، وأي مثقف يشتم منه رائحة معارضة أو إنصاف يتم إقصاؤه بطريقة مهينة، والأمر نفسه ينطبق على الخطاب الإعلامي، ففيه من الفاشية ما يقصي أصحاب الرأي المخالف بسكين بارد، دون أي شعور بالندم أو الذنب. المثقف الذي شارك في الترويج للانقلاب ثم دعمه وبرر أفعاله، هل تتصور إمكانية رجوعه وتوبته يوما ما؟ المثقف الذي اختار أن يكون في حضن أو في جيب السلطة لا أتصور أن يعدل عن اختياره في المستقبل، خصوصا إذا تقدم به العمر، فتترسخ الطبائع والولاءات، ولذا فالقسم الغالب من المثقفين الذين أيدوا إجراءات الثالث من يوليو/تموز 2013 هم أنفسهم المثقفون الذين يؤيدون كل الأنظمة في كل المراحل والعهود، وكونوا من أجل ذلك شللية وتربيطات من أصحاب المصالح الذين لا يعنيهم إلا مصالحهم، وعلى رأسها أن يظلوا جاثمين فوق صدر المؤسسة، ولا يعنيهم أن يكونوا رجالا لمرحلة عنوانها الإخفاق والفشل في جميع النواحي السياسية والتنموية والاقتصادية. وماذا جنت سلطة ما بعد 3 يوليو/تموز على الثقافة والمثقفين؟ مظاهر الجناية أكثر من أن تحصى، وأبرزها اغتيال مناخ الحريات، ولا يمكن للثقافة أن تسود لمجرد وجود وزير يحمل اسم وزير الثقافة، بدليل أن المناخ الذي ظهر فيه عباس العقاد وطه حسين وأحمد حسن الزيات ومصطفى صادق الرافعي وغيرهم من القمم الثقافية، لم يكن فيه وزير لوزارة اسمها الثقافة. وما هي مخاطر بقاء هذا التيار الإقصائي على مسرح الحياة الثقافية؟ هذا تيار يخنق العمل الثقافي، ولا يوجد مؤتمر واحد يلفت النظر أو حتى ندوة أو مطبوعة، وأصبحنا في حالة من الجثو على الركب، بتعبير أندريه موروا وزير الثقافة الفرنسي السابق، لا يصلح معها أنشطة أو فعاليات مهما كثرت وتنوعت لأنها ستكون بلا فائدة. وكيف يكون لها فائدة وعموم الشعب يرى النخبة المثقفة عاجزة عن الدفاع عن قضايا الحريات والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية؟ من الطبيعي أن ينفض الشعب عن هذه النخبة، فتصبح نخبة معزولة عن محيطها، تمثل الزائدة الدودية التي لا تقدم ولا تؤخر، وما ظلمها الناس ولكنها ظلمت نفسها. بعض هؤلاء تصدروا المشهد في فترة حكم الرئيس محمد مرسي.. فما تفسيرك لذلك؟ بطبيعة الحال هي ذات الوجوه الستينية والسبعينية لم تتغير طوال السنوات الخمس الماضية التي تلت ثورة يناير، واللوبي الذي يحرك إستراتيجيات وزارة الثقافة لم يتغير، وإزاحته ليست بالأمر الهين، ولذا فتطهير وزارة الثقافة أصعب من تطهير وزارة الداخلية والقضاء. الوحيد الذي مثل استثناء في هذه الفترة هو الدكتور علاء عبد العزيز، فقد تحرك جديا للتغيير، وكان رد الفعل هو احتلال مبنى وزارة الثقافة في بروفة مصغرة لما حدث يوم 30 يونيو/حزيران 2013. صورة المشهد الثقافي والفكري الذي خلفته ثورة يناير كانت في رأي البعض واعدة إذا ما قدر لها عدم الإجهاض.. هل ترى أنت ذلك؟ مصر معينها من الإبداع لا ينضب، خصوصاً بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، إذ حصل انفجار روائي وشعري ومسرحي كبير، وظهرت أسماء جديدة، وبدأت الأسماء التي تحاول أن تستبقي صورتها في المشهد الثقافي عن طريق ركوب ظهر وزارة الثقافة في الانحسار والتراجع. وهل ثمة جهود تبذل الآن من أجل طرح رؤية ثقافية وطنية تستطيع مواجهة الرؤية الرسمية بعد الانقلاب العسكري؟ لدينا نخبة ثقافية تتشكل الآن بتنوع طيفي باعث على التفاؤل، وهي تتشكل بعيدا عن الإعلام لتقدم لنا طرحا ثقافيا جديدا، مخترقة الأسوار التي صنعها الستينيون ومن بعدهم، وستقدم لنا تصورا لمرحلة جديدة، تسودها قيم الحريات والعدالة والتعايش والتعددية والتنوع، وأنا واثق من أنها رغم مناخات الفاشية الحالية سوف تفرض كلمتها في نهاية الأمر. هل يمكن لتباين هذا الطيف أن يكون بابا لتفريق هذه النخبة، كما أجهضت محاولات أخرى من قبل؟ النخبة النبيلة التي تبحث عن الحريات والعدالة الاجتماعية نخبة متسامحة ومتفاهمة، أما النخب التي أدمنت حرق المباخر لكل الأنظمة فصلتها بالمشهد الثقافي والساحة الثقافية صلة مفتعلة ومدعاة ومجلوبة بالقهر. النخبة التي أتحدث عنها ينضم إليها اليساري النبيل والليبرالي العاقل والإسلامي الواعي، وبالتالي فلا قلق عليها ولا خوف من الاختلاف، فهي بطبيعتها تؤمن بالتباين والاختلاف.
مشاركة :