لم يخض العالم أجمع حربًا عالمية من قبل كالتي يخوضها هذه الأيام مع الكورونا، لم يستطع حسمها حتى الآن بالقوة العسكرية والاقتصادية والطبية؛ لأن هذه الحرب تختلف عن الحرب العالمية الأولى والثانية، فحرب الكورونا لم تكشف ضعف العالم في الجانب العسكري فحسب، وإنما كشفته في الجوانب الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية، فبعض من المجتمعات التي كنا نتغنّى بإنجازاتها العلمية وبقوتها العسكرية وتميزها التكنولوجي والتعليمي ومتانة اقتصادها وصناعاتها الخفيفة والثقيلة وتوسع تجاراتها، هزمها فيروس الكورونا بتدني أخلاقياتها وإنسانيتها، فوجدناها تغرق في السرقات والتجاوزات الأمنية، وأثبتت المجتمعات العربية والإسلامية أنها ملتزمة بكل القيم الأخلاقية والإنسانية، فلهذا من المستحيل أن نرى مجتمعًا عربيًا أو إسلاميًا يستغل مثل الظروف بشكل سلبي، بالعكس تمامًا، رأيناها متعاضدة ومتعاونة ومتآزرة إلى أبعد الحدود، نحن هنا نتحدث عن مجمل المجتمعات العربية والإسلامية وليس العدد القليل من الناس الذين استغلّوا هذا الوضع الصعب ليبرزوا ما في نفوسهم المريضة تجاه البعض، ناسين أن العدو كورونا لا يميز في هجومه الفيروسي بين جنس وآخر، ولا بين دين وآخر، ولا بين طائفة وأخرى، ولا بين مذهب وآخر، كل واحد في العالم مستهدف ما لم يأخذ بالاحتياطات الصحية اللازمة، وما لم يلتزم بالبقاء في بيته، وما لم يتساهل أو يستهين بوحشيته وقسوته وجبروته، فإسلامنا العظيم رسّخ في قلوب ونفوس الأمة المفاهيم والقيم الأخلاقية العالية التي تضمن لها أن تكون في مقدمة الأمم في الجانبين الأخلاقي والإنساني في الأزمات ونزول البلاء، ما نقوله لا يحتاج إلى إثبات، فالدليل الواقعي العملي رآه شعوب العالم، على الفضائيات ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، من غير الطبيعي أن نجد أمتنا العربية والإسلامية التي تمتلك قيم ونبل الإسلام أن تكون آخر الأمم في التطور والنمو، لعلها في هذا البلاء يجعلها تفكر وتعي أنها عليها أن تعمل بطاقاتها الذاتية في رفع مجتمعاتها في كل الاتجاهات، لتصل إلى الاكتفاء الذاتي بجهود أبنائها، في كل المجالات، الطبية والعلمية والتعليمية والتكنولوجية والتقنية والاقتصادية والعسكرية والسياسية والأمنية، وألا تسمع للأصوات الشاذة التي تفرز مجتمعاتها وتضع لها عناوين ما أنزل الله بها من سلطان، وتعمل بكل طاقاتها على إيجاد الفتن والتمييز بين خلق الله تعالى.
مشاركة :