رواية الدكتورة زهور كرام الصادرة أخيرا بعنوان: «غيثة تقطف القمر»، من الأعمال المهمة والمندمجة بالسياق التاريخي والاجتماعي والإنساني التي تمر به المؤلفة، وأبطالها المختارون لتعبر عن رؤية تخيلية للواقع، بإضافة خيالية، تسهم في تقديم رؤى إيجابية للواقع والحياة، مثالية لكنها ليست متعالية، إيجابية وقابلة للتطبيق بالوقت نفسه. الفضاء النصي ينطلق من هم إنساني مشترك، تحمله امرأة هي البطلة الأساسية «غيثة»، التي تمر بمراحل متعددة من المحاولة في الإصلاح والإخفاق ومن الانفراج والحل، ففي بنية الحبكة المتماسكة والمتصاعدة قدمت سرد أحداث بتشويق وتحفيز مستمر وسؤال محفز. لم تسهب في المشهد الأولي الافتتاحي بل منذ الصفحة الثانية من الرواية، تبدأ بوضع القارئ أمام إشكالية محفزة لإتمام القراءة بطرح موضوع أقراص السيدا، ليبدأ سؤال البطلة في الرواية وفي نضالها الاجتماعي في محيطها الضيق والمحدود، من ثم تقوم بدور الفعل الاجتماعي، وما يترتب عليه من صراع مع قوى الفساد. في بداية الرواية، وصف السارد لثقل الذاكرة: «تذكرت... كم من مرة تمنت لو تملك قدرة التشطيب على كل ما يلدغ ذاكرتها. منذ خروجها من السجن وهي ترمم روحها». (ص9) يلوح بمقاومة لتداعي تيار الذكريات لسرد حكاية غيثة، فلولا تغلب الذاكرة/ وتداعيها على البطلة لما تم استدعاء الحكاية. فمنذ الصفحة الأولى تثار قضية مقاومة الذاكرة المثقلة، وهي بالمناسبة ثيمة هامة في الرواية المغربية من الممكن أن يكون تحت عنوان ثقل الذاكرة والاستدعاء. غيثة ذاكرتها مثقلة بالأحداث، كشاهدة على قضية فساد وما تلا ذلك تحاول أن تتجنبه، حتى لو حاولت أكل مسكنات تسكن الوجع إلا إن وجع الذاكرة أقوى وأكبر، حتى الماء وهو رمز النقاء لا يستطيع أن يزيل أثر الذاكرة لذا استسلمت غيثة لـ(جرح لا يخون). من بعدها يبدأ السارد من خلال السرد المتساوق بعرض الحكاية، حكاية غيثة مع الفساد (السيدا). وخلال هذه الرحلة الطويلة تعرض الرواية لمواجهة غيثة مع عدة قوى للفساد، تبدأ مع الفساد الإداري في مؤسسات الدولة، إلى فساد الصفحات الإعلامية، ويتزامن مع هذا الفساد وذاك فساد في المؤسسة الأسرية القائمة على العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة، فما أن تنبري المرأة المثقفة بوصفها رمزا من رموز محاربة الفساد حتى نجد المجتمع يستنكر هذا عليها مرتين، مرة: لأنها فضحت خطاب متوارث منذ أعوام للفساد، يقدم نفسه على اعتبار إنه إصلاحي ووطني، ومرة أخرى: لأنه ينظر لها كعورة لا يحق لها كشف اسمها وكيانها، لذلك رفض زوج غيثة سلوكها التصحيحي وبدأ بالتخلي عنها، بعد ذيوع خبر سجن غيثة في وسائل الإعلام. ما دام الفعل الأساسي بالسردية المطروحة هنا فضح الفساد السياسي والاجتماعي فستكون هذه القراءة مقسمة على الأجزاء التالية: آلية كشف الفساد: في الرواية يتداخل الفساد السياسي و الاجتماعي بالفساد الأسري وتكون الشخصيات هي مكونات خاضعة له وواقعة تحت سطوته، إما متأثرة بشكل سلبي، أو أغلبية صامتة، أو معارضة مهاجرة، أو تكون متأثرة بشكل إيجابي، ترفض الفساد، وتفضحه وتعريه، بدائرتيه الضيقة أم المتسعة، من هنا كانت البطلة غيثة رمزا لمكافحة الفساد، انطلقت من دائرتها الضيقة وتحولت إلى صورة بطلة جماهيرية بسبب نشر أخبار سجنها. من خلال السرد يتضح أن غيثة نشرت مقالا عن السيد سيدا، تبين لها بفضل أنفها الذي يشم رائحة الفساد، بما إن القمامة تحمل الكثير من الفساد، قررت أن تبحث في القمامة كمرادفة للفساد، كما يعرض السارد من خلال السخرية اللاذعة الرأي العام حول فعل غيثة: «هل من حق الصحافي أن ينبش في القمامة؟ وهل له الحق في اقتحام ممتلكات العامة؟ أليست القمامة في ملك العموم؟ والعموم؟ كيف يحق للصحافية غيثة وهي أدرى بالقوانين أن تتجاوز حدودها، وتقتحم القمامة وتنبش فيها؟». (36). • ناقدة وكاتبة كويتية - د. زهور كرام، رواية «غيثة تقطف القمر»، دار الأمان، الرباط
مشاركة :