عقلاء ومجانين

  • 6/16/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الفلاسفة والمفكرون والمثقفون هم عقل الأمة الذي به رشد الحياة، والبوصلة التي تشير إلى الاتجاه الصحيح نحو المستقبل، وفوق ذلك هم ضميرها الحي المتيقظ. عندما تَدْلَهمِّ الخطوب وتتكاثف الغيوم تتلفت الشعوب الحية إلى قادة الفكر والرأي فيها لإرشادهم إلى الصراط المستقيم، وتبديد الظلمات التي تحجب طريق الهداية. عندما كان هتلر النازي وحليفه الفاشي موسيليني يكتسحان أوروبا شرقاً وغرباً، وحوض البحر المتوسط، كان في مقابلهما رئيس الوزراء البريطاني تشرشل الذي بدأ حياته صحفياً قبل أن ينخرط في سلك العسكرية ويشارك في آخر حروب الفرسان في القرن التاسع عشر ويقود بحرية بلاده في حرب البوير والحرب العالمية الثانية. كان تشرشل الأديب والمفكر، وإن ارتدى البزة العسكرية، يدرك أن الحرب شقاء ودم ودموع، وأن السلاح لا يمكن أن يقهر الحرية، يمكن أن يدفنها لكنها لا تموت - وعندما آيس الناس وهم يرون دبابات البانزر الألمانية تقطع السهوب الأوروبية والطائرات النازية تدك لندن ،كان تشرشل يرى النور في نهاية النفق المظلم حيث تنتصر الحرية على أعدائها. بعد الحرب العالمية الثانية نزل الفلاسفة والمفكرون وكبار المثقفين من البروج العاجية والقمم الباردة، ليختلطوا بحياة الناس وليصطلوا بنار الأحداث التي وسمت الحرب الباردة. وكان الفيلسوف البريطاني لورد برتراند راسل الذي جمع المجد المؤتل بإرثه والمكتسب بعقله وفكره، ينزل إلى شوارع لندن ويقود المظاهرات ضد الحرب الأمريكية الظالمة في فيتنام. وكان الفيلسوف الألماني هينريش بول يقود المظاهرات في المدن الألمانية ضد الانتشار النووي، ونشر الصواريخ النووية والقواعد العسكرية في أوروبا الغربية، في الوقت نفسه كان الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر لا يستنكف أن يشارك الشباب في مسيرات الحرية والتحرر. ليس من قبيل التشاؤم القول إننا نفتقر في هذه الخطوب المدلهمة والفتن الطاغية والحركات الفاشية التي تنتشر في بلادنا العربية إلى الفلاسفة والمفكرين والمثقفين الذين يصوِّبون اتجاهات المجتمع والأمة ويمثلون الترياق المضاد للأمراض والعلل التي تهدد بنخر الأمة وتدميرها وتجزئتها وتحويلها إلى أشلاء طائفية ومذهبية. غاب قادة الفكر، ليحل محلهم أمراء الطوائف ومثيرو الفتن ودعاة التحريض والتجييش من قصار القامة والنظر الناعقون بكل شر وسوء، وأحلوا قومهم دار البوار. عندما كان الفلاسفة والمفكرون والمثقفون العرب يقودون مجتمعاتهم ولد حلم النهضة، وازدانت الحياة بالحرية والجمال والإنتاج الفكري الرفيع. واليوم يقود أمراء الطوائف ودعاة التجييش فارتكست دول إلى درك الخراب والدمار والاقتتال الذي يفني الزرع والضرع والذرية.. والعقل. Osnim@hzhmail.com

مشاركة :