لسنوات طويلة ظلت «السوشيال ميديا» مسيطرة وفارضة أسلوبها على العمل الإعلامى، ليس بمنطقة الشرق الأوسط فقط، ولكن على مستوى العالم، المفاهيم تغيرت، وحجم النجاح أختلف، اختفت أرقام التوزيع وحجم الإعلانات، لتحل مكانها «عدد المشاهدات « وعدد «اللايك» و»الشير». قوانين جديدة فرضتها وسائل التواصل الاجتماعى، ومعها اختفت أساسيات المهنة وقواعدها، وجاءت أزمة وباء «كورونا « لتعيد الأمور لطبيعتها، تهاوت مصداقية وسائل التواصل الاجتماعى فى نقل المعلومات والبيانات، الجميع أصبح فى حالة انتظار للبيانات الرسمية التى تخرج عن كل دولة، الحكومات والأنظمة تعلمت من دروس الماضى، ولم تترك الفرصة لملاعين «السوشيال ميديا» ليعبثوا كما يحلو لهم بالترويج للأكاذيب والشائعات، أصبح هناك مؤتمرات صحفية يومية يطمئن لها الشعوب وينتظرونها بفارغ الصبر لمعرفة الحقيقة،الأمر الذى قطع على «السوشيال ميديا» شريان الحياة، وباتت مضطرة لأن تنقل ما يصدر عن الحكومات والمنظمات الرسمية من معلومات، لتجد لها دورا تلعبه خلال هذه الأزمة الكبيرة التى ضربت العالم بأكمله، يمكن أن نقول إن وباء كورونا وبرغم كل المخاطر والمخاوف التى يتسبب فيها، إلا أنه كان سببا فى إعادة بعث لمهنة الإعلام الحقيقى والمهنى، وهو الإعلام الذى غاب عنا مع موجات الثورات المتتالية التى شهدها العالم، بالتأكيد أوروبا ودول العالم المتقدم كانوا الأقل ضرراً من فوضى السوشيال ميديا، على عكس ما حدث مع غالبية الدول بمنطقة الشرق الأوسط، ولكن الآن الوضع مختلف تماماً عن السنوات الماضية، الجمهور بدا أكثر وعياً فى نقل المعلومات وتداولها، وعاد الجميع لوسائل الإعلام الرسمية للتحقق من أى معلومة رغم المحاولات المشبوهة التى تقوم بها بعض التيارات الفاسدة لخلق فزع وخوف وفوضى بين الناس، وهو ما يلقى بمسئولية كبيرة على صناع الإعلام خلال الفترة القادمة، لمحاولة الاستفادة من عودة الثقة مرة أخرى للجمهور فى وسائل الإعلام، وبالطبع لن تستمر هذه الثقة سوى باستمرار نشر الحقائق وعودة الدور الحقيقى للإعلام المتعلق بحق المعرفة وتوجيه الأسئلة والحصول على إجابتها بغض النظر عمن يتم توجيه هذه الأسئلة إليه، سواء كان وزير أو موظف صغير، وربما كانت حلقة الإعلامى وائل الإبراشى من برنامج التاسعة مساء أكبر دليل على عودة الإعلام الرسمى لممارسة دوره مرة أخرى، من يصدق أن التليفزيون الرسمى للدولة المصرية يعرض برنامجا يشتبك فيه المقدم مع وزير فى الدولة بمهنية ورقى ودون تجاوز لمعرف الحقيقة، وهو ما يجعل كل مسئول يشعر بمسئولية مضاعفة تجنباً للمساءلة الإعلامية.. وهو ما غاب عنا لظروف سبق وتحدثنا عنها من قبل، ولكن الدولة المصرية التى باتت قوية وحاضرة ومؤثرة، لم تعد تخشى شيئا، ولم تعد فى حاجة لحماية أفراد حكوماتها من فوضى الإعلام التى كانت منتشرة ومسيطرة على لغة الخطاب بين الإعلاميين والمسئولين، لدرجة جعلت إحدى الإعلاميات تصرخ فى وجه وزير على الهواء وتطالب بإنهاء المكالمة معه، ولكن بات الوضع مختلفا، وعرف الإعلاميون أنه لا يوجد شخص فوق الدولة، فكان من الطبيعى أن تعود الثقة بين الدولة والإعلام وبالتالى تعود الثقة بين الجمهور والإعلام، وهو ما يتضح فى نسب المشاهدة الكبيرة التى يحققها الآن برنامج التاسعة مساء رغم كونه برنامجا رسميا يمثل الحكومة المصرية ويبث من داخل أروقة مبنى ماسبيرو التاريخى.. الفرصة كما قلت ذهبية وتحتاج من الدولة مزيداً من الاهتمام ومنح الإعلام حرية أكبر وتحتاج منا كصحفيين وإعلاميين مزيداً من المسئولية والتجرد والعمل لوجه الله والوطن، لا لوجه الشهرة والمال وأرصدة البنك والدفاع عن رجال الأعمال والتربح، كما كان يحدث من قبل!
مشاركة :