البوابة نيوز تنشر الفصل الأول من قصة ديشي لإبراهيم شلبي

  • 4/5/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تنشر "البوابة نيوز" الفصل الأول من كتاب "قصة ديشي" والذي يصدر قريبًا للكاتب الدكتور إبراهيم شلبي عن الصين وحضارتها، ضمن السلسلة الموسوعية "من ذاكرة أرض ونهر". (1)أنا ديشي.. ثمرة ليتشي شهية. صينية وأفتخر.. اسمي العلمي ليتشي شينينسيس، ويعني باللغة اللاتينية الليتشي الصيني.نموت في حضن أمي الشجرة بمزرعة أنيقة تقع على الطرف الشمالي لمدينة شنغهاي الجميلة في مقاطعة جيانج نان جنوب دلتا نهر اليانغتسي العظيم.. النهر الكريم الذي ارتويت بمائه.. أطول أنهار آسيا وثالث أطول نهر في العالم، والذي يتميز بأنه أطول نهر في العالم يجري من منبعه إلى مصبه في بلد واحد.. الصين.. بلد الحضارة والعراقة. ربما تظنون بعد أن سمعتم قصص عزيزة وبوجدان وراميرو أن قصتي قد تكون مملة.. فاليانغتسي يجري في بلد وحيد وليس كالنيل أو الأمازون والدانوب الذين حملت قصصهم تنوعًا يعكس حضارات وثقافات البلاد المختلفة التي مروا بها. ولكني أعدكم بأن قصتي لن تكون أقل تشويقًا وإبهارًا.. فحضارة الصين فيها من التنوع ما سيدهشكم. وكما أخبرتني أمي الشجرة أن تسميتنا بالليتشي الصيني ليست لمجرد أن ثقافتنا صينية خالصة بسبب الأرض التي نمونا فيها والنهر الذي ارتوينا به.. فقد رددنا الجميل وأثرينا الثقافة الصينية بتواجدنا في الشعر والأعمال الأدبية، ورموز زخارف التحف الخزفية، والأساطير الشعبية وفي اللوحات الفنية يستخدم الرسامون صورتنا في لوحاتهم كرمز لفصل الصيف. أما في اللغة الصينية.. فإن رسم فرع محمل بثمار الليتشي يعني الطموح للثراء وميلاد الذكور. بالإضافة إلى كون مقطع (لي).. المقطع الأول من اسمنا يعني الذكاء والمهارة. لذلك تجدون ضمن العادات والتقاليد الصينية المتوارثة أن وضع ثمراتنا في سرير الزفاف يحمل الفأل الحسن بميلاد الوريث الذكر الذكي الغني. أما في الطب الصيني التقليدي فثمرة الليتشي تصنف كأحد أهم عناصر اليانغ.. التي تؤدي إلى تناغم العقل والروح مع قوى الطبيعة والتخلص من القوى السلبية لليين.تدخلت الشجرة الأم في الحديث بصوتها الوقور الذي يحمل خبرات أربعمائة عام من الحياة.. فأشجار الليتشي تعمر لمئات السنين وتحتفظ بخصوبتها وقدرتها على الإزهار والإثمار لقرون عديدة. قالت: دعني يا ديشي أشرح لمستمعيك معنى اليين واليانغ.. فلا يجب أن تمر على ذكرهما مرور الكرام.. فهما من أهم عناصر الفلسفة الصينية والعقيدة الطاوية والكونفوشيوسية. ابتسم ديشي وصمت مفسحًا المجال لأمه الشجرة التي ربتت عليه بغصن غض وبدأت حديثها: يعود مفهوم اليين واليانغ الذي اقترن فيه علم الفلك مع الفلسفة، إلى الفلكي الصيني تسو يان الذي وضحه في القرن الثالث قبل الميلاد. يقول تسو يان إن الحياة قد مرت بعدة مراحل: النار والماء والمعادن والخشب والتراب. وطبقًا للتوازن بين يين ويانغ، تفاعلت هذه المراحل لتحقق التناغم المطلوب لاستمرار الحياة وبين متطلبات الروح التي يمثلها يين والجسد الذي يمثله يانغ.. وقد وصف تسو يان يين ويانغ وأوضح الفروقات بينهما: يين تمثل الأرض والقمر والأنوثة والشيخوخة.. ويانغ يمثل السماء والشمس والذكورة والشباب. يين تمثل الماء والبرودة والتحول.. بينما يانغ هو النار والدفء والإبداع. يين هي الفقر.. ويانغ هو الغنى. يين هي الليونة.. ويانغ هو الصلابة. وعلى الرغم من هذه الفروقات، فإنه لا يمكن القول بأن أحدهما أفضل من الآخر.. بل هما مكملان لبعضهما البعض وسلاسة الحياة واستقرارها تتوقف على هذا التكامل. وفي الديانات الصينية يفضل الطاويون يين.. فهم يميلون للانعزال عن المجتمع بمشكلاته وسلبياته.. بينما يفضل الكونفوشيوسيون يانغ لتماشيه مع فلسفتهم بالتفاعل مع الحياة ومواجهة المشكلات لا الهروب منها. طلبت شجرة مجاورة -وهي خالة ديشي- الإذن من شقيقتها الكبرى وقالت: اسمحي لي يا أختاه أن أضيف هنا أن كتاب التغيرات المقدس (إيي تشينغ).. أقدم المخطوطات الصينية الكلاسيكية.. والذي يمتد تاريخه إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام قد أشار إلى أهمية التناغم بين يين ويانغ في استمرارية الحياة في الكون.. وأن فقدان هذا التناغم مسئول عن الكثير من الكوارث التي تصيب البشر. كالجفاف والفيضانات والأوبئة.وواصل ديشي حديثه:وكما تفضلت أمي وخالتي بالتوضيح.. فإن كتاب التغيرات.. بنصوصه الأصلية والإضافات التي دونها كبار أدباء وفلاسفة الصين.. قد أثرى الحضارة الصينية على مر العصور سواء بالتأثير الواضح على الديانات الكونفوشيوسية والطاوية والبوذية.. أو بوضع منهاج راق وأسلوب حياة قائم على الأخلاق الحميدة والالتزام واحترام القيم والمبادئ. وعلى امتداد تاريخ الدولة الصينية.. استمرت القيم التي أرساها كبار فلاسفة الصين ومفكريها حاضرة في روح القوانين الحديثة وفي قلوب وعقول أبناء الشعب الصيني.. حاكمةً لتصرفاتهم وتعاملاتهم. سواء بين بعضهم البعض أو مع جيرانهم والشعوب الأخرى.******تقع مزرعتنا الجميلة في مقاطعة باوشان بالقرب من نقطة التقاء نهر هوانغبو بنهر اليانغتسي. أحب الليل في المزرعة.. أستمتع بهبات نسيم المساء الآتية من بحر الصين الشرقي والتي تهدهد أغصاننا حتى يغلبنا النعاس، ولكنني كثيرًا ما أقاوم ولا أستسلم للنوم لأستمتع بالحكايات والذكريات التي تتبادلها أمي الشجرة مع شقيقاتها وأقاربها، عرفت الكثير عن شانغهاي خلال جلسات السمر الليلي.. وبما أننا أشجار معمرة، فذكرياتهم تغطي فترات طويلة تصل إلى أربعة قرون. ويتيح لي السهر أيضًا الاستمتاع بمنظر الواجهة المائية لمنطقة لوجياتسوي البديعة الواقعة على الضفة الشرقية لنهر هوانغبو.. وهي تتألق بالأنوار والألوان وقد انعكست صور مبانيها البديعة متلألئة على مياه النهر.. برج شانغهاي البديع.. وهو ثاني أعلى مبنى في العالم بارتفاعه البالغ 632 مترًا. أخبرني أصدقائي الطيور عن جمال البرج وعبقرية بنائه بواجهته الزجاجية المزدوجة.. والتي تنحني برشاقة وكأنها تحتضنه. وعن مصاعده التي تنطلق بسرعة 20،5 مترًا في الثانية وبذلك تعد ثاني أسرع مصاعد في العالم. وبالإضافة للبرج تفتخر لوجياستوي باحتضان ثماني ناطحات سحاب أخرى تزين خط سماء شانغهاي.. أشهرها برج شانغهاي المالي العالمي الذي يبلغ ارتفاعه 492 مترًا وبرج جين ماو الذي يبلغ ارتفاعه 421 مترًا. ويشكل البرجان مع برج شانغهاي أول تجمع لثلاث ناطحات سحاب متجاورة في العالم. أخبرني أحد طيور الكركي معلومة طريفة عن برج جين ماو ترتبط بالتراث الصيني وبالتحديد علم الأعداد الصيني.. إذ تصنف الثقافات الصينية التقليدية الأعداد تبعا لمعنى الكلمة الصينية التي يتشابه نطقها مع نطق العدد.. فإذا كان معنى الكلمة جيدًا اعتبر العدد مرتبطًا بالتفاؤل مثل الأعداد 6 و8 و9. أما إذا كان سيئًا فيرتبط العدد بالتشاؤم.. مثل 4 و7.ويرتبط برج جين ماو المبني على شكل معبد بوذي متعدد الطوابق بالرقم 8 - الذي يتشابه نطقه مع كلمة يزدهر- في نواح عديدة: فقاعدة البرج مصممة بشكل ثماني الأضلاع.. ويحتوي على 88 طابقًا مقسمة على 16 وحدة. ويقل ارتفاع كل وحدة بنسبة الثمن عن الوحدة التي تحتها. كما يحيط بهيكل المبنى ثُماني الأضلاع، ثمانية أعمدة فائقة الضخامة وثمانية أعمدة ضخمة. وعنوان البرج هو 88 بطريق القرن وقد افتُتح في يوم 28 أغسطس عام 1998.. والطريف أيضًا أن رسم دخول شرفة المشاهدة بالطابق 88 هو 88 يوان.وكما أخبرتني أمي الشجرة.. فإن منطقة لوجياتسوي تحمل رسالة واضحة ورمزًا مهمًا للعالم.. فبالإضافة لكونها معرضا مفتوحا يعكس عظمة التقدم الهندسي والصناعي للصين، فهي تعكس نظرة الصينيين للمستقبل وأن طموحهم حدوده السماء.. ولكنهم في الوقت نفسه يحتفظون بأقدامهم راسخة في أرض الصين الخالدة بثقافتها العريقة وحضارتها العظيمة. يذكر أن الدكتور إبراهيم شلبي طبيب وكاتب مصري، قام بنشر عشرين كتابًا من ضمنها "الخروج من الفقاعة" الذي فاز بجائزة اتصالات كأفضل كتاب لليافعين في العالم العربي في مهرجان الشارقة للكتاب – نوفمبر 2015، و"رحلات وسيم في عالم أديب وحكيم – الجزء الأول" الذي حصل على جائزة الهيئة العامة للكتاب بإمارة الشارقة كأفضل كتاب للشباب باللغة العربية في العالم العربي لعام 2016.

مشاركة :