آندي موكيرجي * الثقة في النظام المالي الهندي، تنهار منذ بعض الوقت، وبدلاً من محاولة استعادة الثقة به، ربما يكون الوقت قد حان لتخفيف الاعتماد عليه بالانتقال إلى الروبية الرقمية رسمياً. القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير تمثلت في انهيار مصرف «يس بانك ليميتد»، الذي فشل نتيجة بطء حركته من وجهة نظر السلطات المصرفية. وقد تم التأكيد على المودعين أنه سيتم الإفراج عن أموالهم العالقة التي تزيد على 20 مليار دولار بعد عملية إنقاذ من قبل بنك الهند المركزي. ومع أن ذلك قد يساعد على الحد من الذعر الواسع الانتشار، على الرغم من منع الأفراد مؤقتاً من الوصول إلى أموالهم، فإنه لن يتم من الآن فصاعداً التعامل مع جميع مدخرات الأفراد والحسابات الجارية للشركات كبديل مثالي للنقد. ومن الصعب والمكلف إحياء استعادة ثقة الجمهور المتآكلة. والخيار الأفضل هو تأميم البنوك وشركات التمويل غير المصرفية التي توفر 1.75 تريليون دولار من عمليات التمويل سنوياً. إلا أن التأميم سيكون بمثابة النكوص إلى نهاية الستينات، عندما اتجهت الهند نحو فرض ضوابط الدولة الاشتراكية. وبالمثل، سيكون من غير الواقعي افتراض أن الإحراج الذي تسبب به مصرف «يس بانك ليميتد»، سيؤدي إلى تحسن في الوضع الراهن. ولا تزال العلاقات الشائكة بين البنوك والرأسماليين الهنود التي تعود إلى حقبة الاستعمار البريطاني متجذرة في الاقتصاد الهندي. ولم تنجح قواعد بازل3 التي يفترض أن تحدد متطلبات البنوك في تنظيف القطاع المصرفي الهندي من الفساد. لكن هذا لا يدعو لليأس لم نفقد كل شيء. فتقنية بلوك تشين، التي تحاول المؤسسة الهندية اعتمادها في مجال التمويل، تحمل بوادر الأمل. يجب على حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، أن تفكر في تشفير رسمي لتفادي الحاجة إلى وسطاء موثوق بهم، وهم قليلون على أي حال. قبل تفشي (كوفيد19)، كان من المتوقع أن تطلق الصين عملتها الرقمية الخاصة هذا العام. وعلى الرغم من أن حاجة الهند أكبر، إلا أن دوافعها تختلف تماماً عن رغبة بكين في التخلص من هيمنة الدولار. بعد أزمة «يس بانك ليميتد» وفشل عملية الإنقاذ، من المحتمل أن تنجذب الودائع في الهند نحو أربعة أو خمسة مقرضين كبار، الذين قد يتم تشجيع مديريهم على المراهنة بالمخاطر بأموال الآخرين. وسوف تكافح البنوك المتبقية للحصول على السيولة. وستكون شبكة الائتمان غير المستقرة دائماً على بعد خطوة واحدة من الانفجار التالي. في حين أن كل دولة لديها نصيبها من الهوس والذعر والحوادث، فإن انعدام الثقة في القطاع المالي كلياً لا يوفر بيئة مناسبة لتحقيق النمو الاقتصادي. وحفزت أزمة البنك المذكور من جديد على البحث عن حلول. فقد أصدرت المحكمة العليا في الهند أمراً يلزم البنك المركزي الهندي بعدم منح تجار العملات الرقمية أي تسهيلات. ولكن في موازاة ذلك، تدرس الحكومة التغاضي عن الحظر الشامل المفروض على كوبونات التداول الرقمي الخاصة. من المؤكد أن أحد الاستخدامات الشائعة للتكنولوجيا هو غسل الأموال. لكن القضاء على قطاع اقتصادي كامل والتضييق على خبرائه سيكون بمثابة خسارة لابتكارات قيمة في وقت تحتاج فيه الهند إلى الاستفادة من النجاحات المعترف بها عالمياً في صناعة المدفوعات الرقمية، والتي اكتسبت ثقة المستخدمين التي خسرتها البنوك التقليدية وبنوك الظل. بعد مسح 17 مشروعاً حول العالم- من النرويج والسويد إلى الصين وكمبوديا وجنوب إفريقيا- حدد بنك التسوية الدولي أربعة مسارات محتملة لعملة رقمية للبنك المركزي. يمكن أن يكون كوبون الروبية الذي لا يتطلب من حامله حساباً مصرفياً ذا قيمة مضمونة من قبل بنك المركزي الهندي كنقطة بداية. وسوف يتم اعتماد التشفير لتحويل الأموال؛ حيث يمنح البنك المركزي صلاحيات التحويل لأطراف محددة على سجلات توزيع رقمي. وتسعى الصين لتحويل اليوان إلى عملة احتياطيات عالمية تنافس الدولار. وكان يمكن لعلمة رقمية مثل «ليبرا» التي تعمل شركة «فيسبوك» على تعويمها، عائقاً في وجه العملة الصينية، وهو ما دفع بكين لتسريع مشروع اليوان الرقمي. وما لم تسارع الهند لإصدار روبيتها الرقمية فسوف تبقى جماهير فقراء الهنود تحت رحمة نظام مصرفي متهالك عفا عليه الزمن، ويبحثون عن بديل قد لا يجدوه سوى في وادي السيليكون. * بلومبيرج
مشاركة :