يوسف أبو لوز في أيام العزلة القسرية والإدارية نذهب إلى القراءة، وفي مثل هذه الأيام التي يختبر فيها الإنسان ذاكرته أيضاً، نعود إلى قراءة أولئك المنسيين أو الذين جعلنا منهم منسيين رغماً عنهم.في العقود الماضية تساقط الكثير من شجرة الشعر العربي المتشابكة الأنساب، والأصهار والأصول والجذور: جوزيف حرب، انسي الحاج، سعيد عقل، نزار قباني، عبد الوهاب البياتي، ممدوح عدوان، علي الجندي، عمر أبو ريشة، حبيب الزيودي، محمد القيسي، أحمد دحبور، محمود درويس، بلند الحيدري، محمد عفيفي مطر، حبيب الصايغ، أحمد راشد ثاني، محمد الفيتوري، محمد البثيتي، عبدالله البردوني، وقبل ذلك، صلاح عبد الصبور، ونازك الملائكة، وأمل دنقل، وبدر شاكر السياب، غازي القصيبي، وغيرهم.في القضايا الوطنية والقومية والتاريخية والإنسانية تجد أقلام هؤلاء لامعة تحت الشمس، الشاعر السوداني يتفاعل مع قضية الإنسان الجزائري، والشاعر البحريني يتفاعل مع قضية الإنسان الفلسطيني، وما من قصيدة عربية إلا ووراءها عاطفة إنسانية شعبية عامة. كانت المهرجانات العربية الشعرية الكبيرة، مثل المربد في بغداد، ومهرجانات الشعر اللبنانية في الثمانينات على قلّتها، ثم مهرجانات الشعر في القاهرة والعاصمة الأردنية، هي ليست مجرد مهرجانات قصائد يقرأ فيها الشعراء، ثم يعود كل شاعر إلى دياره؛ بل كانت ملتقيات ثقافية وصداقية وإنسانية بين الشعراء العرب.كنا على سبيل المثال لا الحصر، نقرأ للشاعر العراقي يوسف الصايغ مجموعته «سيّدة التفاحات الأربع» التي أصدرها في وسط سبعينات القرن العشرين، وتقيس المسافة بيننا وبين الشاعر بالمسافة بين المدينة العربية وبغداد، حيث من مدننا وقُرانا وأريافنا النائية عرفنا شعراء العمود والتفعيلة وقصيدة النثر في المهرجانات التي كانت تطلق، أحياناً، بعض الشعراء الجدد، كأن المهرجان الشعري السبعيني أو الثمانيني هو منصة اعتراف للشاعر الجديد، ومنصة انطلاق لقصيدته، وهويته الشعرية.غياب أكثر من ثلاثين شاعراً وشاعرة في العقود الثلاثة الأخيرة، هو تغيير شامل لخريطة الشعر العربي نحو ما هو سلبي بالطبع، فما من شاعر يحل محلّ آخر من حيث شخصيته الأدبية واللغوية والفنية والفكرية، وما من شاعر يمكن أن يعوّض تجربة أدبية مكتملة في مثل اكتمال تجربة محمود درويش على سبيل المثال.هؤلاء العشرات من الشعراء العرب الكثير منهم منسيّ اليوم في غياباتهم التي يعود بعضها إلى الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين.. وللنسيان أو التناسي أسباب ودوافع، أسوأها على الإطلاق ذات الطابع السياسي أو الأيديولوجي المقصود.نحن في حاجة اليوم إلى ذاكرة أعلام ديوان العرب، وإلى قوّة الأمل في شعرهم الذي وقف ضد الهزيمة والضعف والانكسار في مراحل من التاريخ، والشعر شاهد عيان، دائماً وأبداً، لا يكذب ولا يزوّر، ولا يُغطي وجه الشمس بغربال. yabolouz@gmail.com
مشاركة :