فقدت الساحة الإعلامية والثقافية في المملكة أحد أهم أعمدتها الرئيسية، وذلك برحيل الإعلامي والباحث الاكاديمي بدر كريم الذي شُيع أمس الاول في مدينة الرياض وسط حضور كبير من المسؤولين والإعلاميين، الذين أجمعوا على أن الراحل -الذي وافته المنية السبت الماضي- يعد من الشخصيات الموسوعية التي ارتبطت بالآداب والصحافة والفكر، مؤكدين في حديثهم لـالجسر الثقافي أن إنتاج الدكتور بدر كريم في شتى المجالات سيظل باقيا لتستفيد منه أجيال عدة. أربعة عقود في البداية، تحدث رئيس تحرير صحيفة الحياة الزميل جميل الذيابي عن خدمة الراحل للإعلام السعودي في كافة مجالاته وعلى وجه الخصوص في الصحافة والإذاعة على مدى اربعة عقود، مؤكدا أن الحديث عنه لن يوفيه حقه لما يتميز به من عصامية نادرة وفكر واسع. وقال: ربطتني علاقة متينة بالراحل في فترة من الفترات، عندما كان يتعاطى مع صحيفة الحياة إبان عضويته في مجلس الشورى، وكانت مشاركاته تتسم بروح الصحفي المتمرس من خلال قلمه وفكره الذي جعله اشبه بموسوعة ثقافية. تكريم إذاعي وشارك رئيس تحرير عكاظ الزميل محمد الفال قائلا: بدر من الجيل القديم المكافح، ويعتبر صحفيا ناجحا رغم انه التحق بالعمل الصحفي متأخراً، حيث إن ميدانه الأول والطبيعي هو الإذاعة ثم التلفزيون، ليعرف فيما بعد ببحوثه وكتابته للشعر، ثم محاضراً في قسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وحصل أثناء عمله على الماجستير في علم الاجتماع من جامعة الملك عبدالعزيز. ويمضي الفال بالحديث: بلا شك، فقدنا في عكاظ استاذا وكاتبا كان نموذجا للكاتب المبدع الملتزم المقدر للإنتاج والإبداع، ما يجعله يستحق التكريم الذي يجب أن يكون في حقل الاذاعة والتلفزيون بالدرجة الاولى. ذاكرة خصبة واستذكرت الكاتبة والأديبة الدكتورة خيرية السقاف صوت الراحل في المذياع بقولها: بدر كريم ذلك الصوت الجليل المهيب العذب الذي كان ينبثق من المذياع، وما كنا نختلف في معرفته حتى لو صممنا آذاننا وحواسنا عنه، فهو مذيع رفيع المستوى، وصوت إعلامي يقول فيصدق، وينقل فيوصل الكلمة في الخبر، والجملة في الأثر، وهو يتلو نشرة الأخبار، وهو يردد الأشعار. وتتابع السقاف: هو أحد الذين أسسوا للمذياع تاريخه، وللإعلام المُذاع، والمشاهَد بداياته، ورياداته.. رجل فذ في زمن صعب.. منذ بدأ مذيعا، ثم وهو يقفز مع طموحه من مضمار المذياع، فالإدارة في الإعلام، إلى مضمار المحاضر في الجامعة، إلى مضمار المؤلف في سجل منجزاته، وخطواته، وإلى أن صار المستشار في كوكبة الشورى وإلى أن أصبح الأكاديمي الممنطق بحزام الأمانة العلمية، كان، وبقي، واستمر، ولم يتنح عن موقع المخلص لكل تلك الأدوار.. بدر كريم رقم لا يتكرر، صعب أن يتكرر، فهو ذاكرة خصبة لتاريخ جميل، رحل على حين فجأة بالنسبة لمن لا يزال متوقدا في ذواكرهم، وسيبقى مخضرا بشجرته الباسقة في سجل الإعلام والتأليف والتأريخ والأكاديمية.. ليكون بصمة ناصعة لتاريخ المذياع ونموذجا لا يتكرر، وإنما يقتدى به. رجل مسالم أما نائب مسؤول تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» في الرياض الزميل بدر الخريّف فقال عن الفقيد: يعد الدكتور الراحل بدر كريم المذيع الرسمي للدولة، وقد بلغ نجمه في عهد الملك فيصل من خلال برامجه، ومشاركاته في رحلات الملك فيصل الداخلية والخارجية، وهو شخصية مبدعة، طرق أبواب الإعلام المسموع والمقروء، بعمله كنائب رئيس تحرير لصحيفة عكاظ، وقبلها كان مدير عام وكالة الانباء السعودية، ومن المعروف عنه بأنه رجل مسالم لم يدخل في أي مشاحنات صحفية، بل كان كريم الأخلاق ووفياً مع أصحابه، ومجتهداً في طلب العلم، حيث تحصل على الدكتوراة بعد ان وصل السبعين او اكثر، وكان قد اشتهر في برنامج (تحية وسلام) بسعيه لمعالجة قضايا المبتعثين في الخارج. شخصية إنسانية من جهته، ذكر مستشار وزير الداخلية ومدير العلاقات العامة بالوزارة الدكتور سعود المصيبيح أن الدكتور بدر كريم خلف مسيرة عطرة من الكفاح والعصامية والإبداع، الذي واجه التحديات الكبيرة بهدف مواصلة النجاحات المتعددة، والتي تتمثل بانتقاله للصحافة، فانتقل بعدها بدر كريم إلى الصحافة والإعلام والعلاقات العامة، بعمله في صحيفة عكاظ وتأسيسة لإحدى شركات العلاقات العامة بمفهومها الجديد، ثم عاد ليتولى مسؤولية وكالة الأنباء السعودية موجدا أسلوبا حديثا في العمل والعطاء. وأضاف المصيبيح: لم يقف السن حائلا بين الدكتور بدر وإكماله لدراسته، فرغم المسؤوليات الاجتماعية والعائلية والعملية إلا انه أنهى البكالوريوس مع أحد ابنائه، ثم الماجستير والدكتوراة، ليعمل في التعليم الاكاديمي من خلال خبرته العلمية والبحثية إضافة لتجربته الإنسانية العظيمة. مسيرة إدارية وصف الباحث والمستشار الإعلامي فهد الياسي الفقيد بقوله: الدكتور بدر كريم إعلامي عشق المايكرفون، ويمتاز بكونه مذيعا متمرسا ﻻ يقبل أصغر الأخطاء، فكان يمضي ساعات طوال ﻷي برنامج يكلف بإعداده وتقديمه، وهو يتابع المادة التي يقوم بتسجيلها لدرجة أنه أحضر أجهزة متكاملة للتسجيل والمكساج في مكتب عمله، كما أنه يقوم بالمكساج بدون ااستعانة بمهندس او فني صوت. أما عن مسيرته كإداري فيقول الياسي: كان حازما في عمله ﻻ يقبل بأي خطأ، إضافة لمتابعته الجيدة للإدارة التي يتولى رئاستها وكان ينظر للخطأ بحسب حجمه ويحاسب الموظف على قدر الخطأ، ولكن ذلك يتم بروح ابوية تساهم في صنع الرجال الحريصة على الابتعاد عن الاستهتار في العمل.
مشاركة :