الصكوك السعودية .. تمويل بتكلفة متدنية رغم تداعيات الجائحة

  • 4/5/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

علمت "الاقتصادية" أن عائد الصكوك الثلاثينية (الثانية) التي تم إقفالها أواخر شهر آذار (مارس) أغلق عند 3.68 في المائة، بحسب مصدر قريب من الطرح، وذلك مقارنة مع عائد 4.64 في المائة خلال الطرح الأولي لهذه الصكوك في نيسان (أبريل) 2019. والاستدانة بهذا العائد، يعني أن التكلفة ستكون يسيرة على خزانة الدولة، في وقت تلامس فيه أسعار النفط أدنى مستوياتها منذ 18 عاما، وتؤكد ثقة المستثمرين المطلقة بالجدارة الائتمانية للسعودية، التي استقر احتياطيها العام خلال شهر شباط (فبراير) الماضي، عند 470.8 مليار ريال، وهو المستوى نفسه في شهر كانون الثاني (يناير) 2020. وأظهرت السياسة المالية والنقدية للسعودية مرونة بارزة خلال الربع الأول من هذا العام في أعقاب تسارع جهود الأسواق الصاعدة للتعامل مع الاحتياجات التمويلية الخاصة بجائحة كورونا المستجد. وتدلل الاستدانة المحلية لشهر آذار (مارس) البالغة 15.5 مليار ريال، التي جاءت في خضم أسوأ أسبوعين مرا على تاريخ الأسواق المالية العالمية، أن السعودية تعتمد على مصادرها المحلية قبل كل شيء. ويعكس تهافت المستثمرين على شراء الأوراق الحكومية للمملكة برسائل مهمة، أبرزها طمأنة القطاع الخاص والعام على إمكانية الاستمرار في الإنفاق على المشاريع الاستراتيجية التي تنسجم مع رؤية 2030، إضافة إلى قدرة السعودية على النفاذ لأسواق الدخل الثابت في ظروف غير اعتيادية تمر بها الأسواق المتقدمة والصاعدة. ولاقت تلك الجهود استحسان المجتمع المالي للمستثمرين وكذلك شركات التصنيف الائتماني. وأظهر رصد لوحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، نشاطا ملحوظا من شركات التصنيف قامت على أثره بتخفيض التصنيفات الائتمانية لدول عده من جراء طريقة تعامل تلك الدول مع تداعيات إغلاق اقتصاداتها بشكل جزئي وزيادة حجم نفقاتها للتعامل مع جائحة كورونا. ولم تفرق موجة التخفيضات تلك من قبل وكالات التصنيف بين الدول المتقدمة والناشئة، وذلك بعد تخفيض تصنيف بريطانيا إلى (AA-) وجنوب إفريقيا إلى (Ba1) والمكسيك إلى (BBB) وكذلك دولتين من دول الخليج في الأيام الماضية. وخرجت السعودية وكوريا والهند (وعدد قليل من دول الأسواق الناشئة) بتأكيدات على ثبات التصنيف الائتماني في الفترة الحالية. ويعني تخفيض درجة التصنيف الائتماني بلغة مبسطة (سواء للحكومات أو للشركات) أن تكلفة جمع أموال من الأسواق (سواء المحلية أو الدولية) قد أصبحت مرتفعة عن ذي قبل والأمر نفسه ينطبق على مسألة الديون القائمة التي قد يعاد تمويلها عندما يجين أجل سدادها. لكن مسألة "القدرة على الاستدانة" بتكلفة "يسيرة" تصبح أكثر تعقيدا مع تذبذبات الأسواق الحالية، حيث أن عدد محدود من الدول من يستطيع الاقتراض بتكلفة متدنية على خزانة الدولة، كما فعلت السعودية مع طرحها المحلي لشهر آذار (مارس). في حين يعني فقدان بعض الدول لتصنيفاتها الاستثمارية (التي تبدأ من AAA حتى -BBB)، وتدخل ضمن درجات التصنيف غير الاستثمارية أو الخردة (التي تبدأ من +BB حتى -B)، أن بعض المستثمرين من شركات إدارات الأصول، سيتخلون عن تلك الأوراق المالية بشكل فوري بسبب قيود السياسة الاستثمارية التي يتبعونها مع الصناديق التي يديرونها. القدرة على المناورة أظهر رصد "الاقتصادية"، أن دول عدة تصنف على أنها أسواق ناشئة، وجدت نفسها في مواقف صعبة بعد أن تفوقت الاقتصادات المتقدمة في إيجاد حزم مساعدات تحفيزية لاقتصاداتها المحلية من أجل مكافحة تداعيات جائحة "كوفيد - 19". وكان التباين واضح بين تلك الدول، حيث أن بعضها تفضل أن تتعثر في سداد مديونتها للمستثمرين الدوليين بحجة توفير تلك الدفعات الدورية للاقتصاد المحلي لمواجهة تبعات جائحة كورونا، وأخرى طلبت من المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) إيجاد حل لديونهم الدولية عبر تجميد تسديدها للدائنين. ويتوقع لبعض الدول التي تعثرت قبل جائحة "كورونا" كفنزويلا ولبنان والأرجنتين، أن تشتد عليها الأزمة قريبا، بحكم تآكل الاحتياطات المالية، وانهيار أسعار سنداتها في الأسواق الثانوية، إلى جانب عدم توافر نقد أجنبي كاف، كبعض بلدان إفريقيا مثل زامبيا. في حين يخشى البعض من الاستدانة من أسواق الدين المحلية حتى لا تتأثر سيولة القطاع المصرفي. أما الدول التي لديها تصنيف من الدرجة الاستثمارية (ولكن عند المستوى الأدنى)، فقد استدانت من السوق الدولية ولكن دفعت علاوة سعرية باهظة. فعلى سبيل المثال اضطرت بنما، التي توصف بأفضل اقتصادات أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى بتصنيف ائتماني عند (BBB)، إلى استدانة 2.5 مليار دولار أواخر الشهر الماضي، وذلك بعد دفعها 60 نقطة أساس كعلاوة سعرية (حيث في العادة تكون العلاوة في الأوضاع الطبيعية ما بين 5 و20 نقطة أساس بالكثير). في حين تتوافر خيارات واسعة لعدد قليل من اقتصاديات الأسواق الناشئة التي تعد بمثابة الملاذات الآمنة، فالسعودية مثلا، الحاصلة على خامس أعلى تصنيف ائتماني من الدرجة الاستثمارية من وكالة "موديز"، استطاعت الاستدانة بتكلفة يسيرة من السوق المحلية في ظل انخفاضات السايبور لمستويات قياسية وتوافر سيولة فائضة في القطاع المصرفي. يأتي ذلك في وقت لا تستعجل فيه السعودية طرق باب أسواق الدين الدولية وتتحين الفرصة المناسبة التي تجنب بها خزانة الدولة دفع علاوة سعرية لا مبرر لها، وذلك على خلاف الدول الأخرى التي في عجلة من أمرها. العائد المتدني لم تتوقف تكلفة الاستدانة متدنية الفائدة مع طرح آذار (مارس) في السوق المحلية، بل كان أثرها واضح مع أطروحات الربع الأول من هذا العام، الذي شهد طرح 3 إصدارات جديدة ليرتفع أعداد إصدارات الصكوك الادخارية من 31 إصدارا (بنهاية 2019) إلى 34 إصدارا بنهاية مارس 2020. وشهدت كذلك ثاني صكوك لأجل استحقاق 15 عام خلال شباط (فبراير)، وذلك للمرة الثانية في عامين، بينما تم طرح تاسع صكوك سبعية جديدة. وحصدت السعودية ثمار الفائدة المتدنية عندما جاءت الشريحة السبعية بعائد 2.47 في المائة مع طرح كانون الثاني (يناير) من هذا العام، مقارنة بآخر طرح جديد لهذه الشريحة في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 وبعائد 3.88 في المائة. في حين جاءت صكوك أجل 15 عام الجديدة بعائد 3 في المائة خلال شباط (فبراير)، مقارنة بـ4.01 في المائة، عندما طرحت للمرة الأولى في آذار (مارس) 2019. سندات السعودية الدولية تتماسك أما على صعيد التداولات الدولية في أدوات الدين الدولارية للسعودية، فقد أظهرت تماسكا واضحا مقارنة بسندات الأسواق الناشئة التي أصبحت تتداول دون 90 سنت للدولار (القيمة الاسمية 100 سنت للدولار)، حيث يتم تداول السندات الثلاثينية للسعودية (يحين أجلها في 2048) عند 108 سنت للدولار، وفقا لرصد وحدة التقارير "الاقتصادية" في 30 آذار (مارس). وتعكس تلك التداولات فوق القيمة الاسمية ثقة المستثمرين بالاقتصاد السعودي في تجاوز التحديات الحالية التي تعصف باقتصادات دول متقدمة وصاعدة. وكانت "الاقتصادية" قد أشارت في تحليل لها نشر في السابع من آب (أغسطس) 2019 إلى ازدياد الطلب في الأسواق الثانوية على الإصدارات الخليجية القديمة التي أصدرتها الحكومات منذ 2018 إبان ارتفاع أسعار الفائدة خلال وقت الإصدار، وذلك بعدما أصبحت عوائد تلك السندات جذابة في الوقت الحالي بعدما دخلت "أدوات الدخل الثابت" بالأسواق الناشئة لمرحلة الفائدة المتدنية. وأشارت الصحيفة إلى أن هناك "علاقة عكسية" بين ارتفاع أسعار تلك الأوراق المالية وانخفاض العائد، وأظهر الرصد في حينه أن بعض المستثمرين القدماء لا يزالون يتمسكون بأدوات الدين السعودية وذلك بسبب العائد السخي في ظل الظروف الحالية لأسعار الفائدة. ما يميز الإصدارات القديمة الدولارية لحكومة المملكة التي جاءت في 2016 وما بعده إلى 2019، أنها قد تم إغلاقها بالفائدة "الثابتة" التي لن تنخفض مدفوعاتها الدورية للمستثمرين حتى لو دخل حاملو تلك الأوراق المالية لفترة الفائدة المتدنية. ومن الطبيعي أن يصوت المستثمر الدولي، الذي يكون مستعدا لدفع علاوة سعرية على أدوات الدين الثلاثينية، على متانة اقتصاد المملكة و"رؤية 2030" وكذلك الإصلاحات القائمة. وذلك نظرا لأن المحافظ التي تشتري تلك الأوراق المالية لن تسترد "رأس مال المستثمر" إلا بعد 2046 فما فوق وذلك في حال الاحتفاظ بها إلى أن يحين أجل إطفائها. النرويج وبلجيكا والسعودية بعد إعلان السعودية، إحدى أهم دول مجموعة العشرين، عزمها رفع سقف نسبة الاستدانة للناتج المحلي، وكذلك نجاحها في إغلاق طرحها المحلي من الصكوك الحكومية، أعلنت (بعدها بأيام) بعض دول الاقتصاديات المتقدمة عن خطط مماثلة للاستدانة. فمثلا أعلن البنك المركزي النرويجي عزمه رفع حجم استدانته من السوق المحلية من 6.6 مليار دولار (كما كان مخطط له سابقا) إلى 8.1 مليار دولار وذلك بعد إقرار الحكومة النرويجية مساعدة القطاع الخاص بالبلاد، ونفس الأمر انطبق كذلك على البرتغال التي أعلنت زيادة في برنامجها التمويلي لهذا العام. في حين قامت بلجيكا باختيار بنوك دولية من أجل إصدار سندات سبعية مقومة باليورو، بينما استدانت فرنسا وألمانيا من السوق المحلية في الأيام الثلاثة الماضية. يذكر أن السعودية قد أغلقت أواخر الشهر الماضي، ثاني أكبر طرح محلي من حيث القيمة الإجمالية للتخصيص (البالغ نحو 15.5 مليار ريال)، من أدوات الدين الحكومية على مدار الأعوام الأربعة الماضية، في مؤشر يعكس عمق سوق أدوات الدخل الثابت وثقة المستثمرين المحليين بالمتانة الائتمانية لحكومة المملكة. يأتي ذلك بعد موافقة المقام السامي في آذار (مارس) على زيادة نسبة الاقتراض للناتج المحلي من 30 في المائة كسقف إلى 50 في المائة، حيث تتوقع وزارة المالية ألا يتم تجاوز تلك النسبة من الآن حتى نهاية 2022. وأكد محمد الجدعان، وزير المالية، ووزير الاقتصاد والتخطيط المكلف، أن الحكومة ستقوم بمزيد من الاقتراض، متوقعا ألا يتجاوز الاقتراض الإضافي هذا العام الـ100 مليار ريال. وتتوافق تلك الاستراتيجية مع المعطيات الحالية لأسواق الدين العالمية والمحلية، التي تشهد تكلفة تمويل متدنية لجهات الإصدار، التي تتميز بمتانة تصنيفها الائتماني كالسعودية، التي أعلنت الشهر الماضي عدم اعتزامها السحب من الاحتياطيات أكثر مما تم إعلانه خلال الميزانية، كما أنها لا تعتزم تسييل أي من استثماراتها. ومع تفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد - 19" قام عديد من دول العالم باتخاذ إجراءات احترازية للحد من انتشاره السريع، حيث تعهدت دول عدة بدعم اقتصاداتها بمبالغ تعدى إجماليها أكثر من تريليون دولار بما في ذلك الاستدانة من أسواق الدخل الثابت. التصنيفات الائتمانية أظهر رصد الصحيفة، أن وكالات التصنيف الائتماني قد شرعت منذ منتصف الشهر الماضي في تغذية وعكس تبعات جائحة "كوفيد - 19" على منهجيات التصنيف، التي نتج على إثرها ظهور الموجة الأولى من تخفيضات التصنيف الائتماني التي لامست الدول والشركات، الأمر الذي سبب ضغوطات على تلك الدول والشركات التي ترغب في إعادة تمويل ديونها. معلوم أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد طالبا من دائني الدول الأشد فقرا "تجميد تسديد الديون" كي تتمكن هذه الدول من استخدام ما لديها من أموال لمكافحة فيروس كورونا المستجد. وأشارت الهيئتان في رسالة مشتركة إلى أن فترة السماح هذه ستسمح بتحليل الوضع وحاجات كل دولة. وطلبت أيضا من مجموعة العشرين تكليفهما مهمة التقييم لإعداد لائحة بالدول التي ترزح تحت ديون هائلة والعمل على إعادة هيكلتها. حزم التحفيز بحسب صندوق النقد الدولي، فإن الأسواق الناشئة بحاجة لما لا يقل عن 2.5 تريليون دولار من أجل تمويل احتياجاتهم إلا أن معظم تلك الدول لا تتوافر لديهم المصادر المتنوعة لتمويل حزم التحفيز التي هم بحاجة إليها لمواجهة المتاعب الاقتصادية التي خلفها جائحة كورونا. ورغم تفاوت المصادر التي تحدد العدد الفعلي للدول المنضوية تحت مسمى "الأسواق الناشئة أو الصاعدة" فإن هناك إجماعا على أن تعداد تلك الدول يراوح بين 38 و45 دولة بينها دول الخليج وروسيا والصين وكوريا والهند. وكان محمد الجدعان، وزير المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط المكلف، قد أكد الشهر الماضي توافر القدرة لدى الحكومة على تنويع مصادر التمويل بين الدين العام والاحتياطي الحكومي بما يمكنها من التعامل مع التحديات المستجدة، ويسمح بالتدخل الإيجابي في الاقتصاد من خلال القنوات والأوقات المناسبة، مع الحد من التأثير في مستهدفات الحكومة في الحفاظ على الاستدامة المالية والاستقرار الاقتصادي على المديين المتوسط والطويل. وكانت مؤسسة النقد السعودي العربي "ساما" قد أعدت برنامجا تصل قيمته إلى نحو 50 مليار ريال، يستهدف دعم القطاع الخاص وتمكينه من القيام بدوره في تعزيز النمو الاقتصادي، وذلك في إطار دعم جهود الدولة في مكافحة فيروس كورونا (COVID-19) وتخفيف آثاره المالية والاقتصادية المتوقعة على القطاع الخاص؛ خصوصا على قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

مشاركة :