إذا كنت قد ابتليت تحت ظروف معينة بوظيفة ما؛ لا تروقك ولا تحقق لك مقومات العيش الكريم أو أنها تستقطع جزءا كبيرا من وقتك ويومك في التفكير في مشاكلها، أو أن متطلباتها والتزاماتها تلحق بك إلى المنزل، فأنت في هذا الوضع بلا شك ستعاني أحد مضاعفات التوتر والقلق والتعاسة التي ستنعكس حتما على صحتك النفسية والجسدية.. ورغم أنك ستصنف في هذه الحالة بصاحب الحظ الرديء كونك افتقدت أحد مقومات السعادة إلا أن الأمر يمكن معالجته بشيء من البحث في خيارات وظيفية أخرى والعزم على تغيير الواقع واقتناص الفرص في أماكن أخرى خارج المجال الذي تنتمي له؛ فالرغبة والحاجة الملحة تصنع الكثير وقد قيل «الحاجة أم الاختراع».. المقصد من ذلك أنه إذا اعتبرنا أن الوظيفة أو المهنة التي يعمل بها الشخص تحدد وضعه الاجتماعي والاقتصادي فإنها بلا شك تحدد أيضا عوامل سعادته أو تعاسته في الحياة، لكن الجميل في الأمر أن الوضع الوظيفي أو المهني بشكل عام (يمكن) تبديل أحواله للأفضل بقرارات شخصية حازمة وجادة مدروسة بذكاء. ويأتي مترافقا مع قضية الوظيفة والمهنة أمران آخران يرتكز عليها مستقبل وسعادة أي شخص منا؛ وهما التخصص العلمي وشريك الحياة، لكن الفارق هنا يبرز في أن التخصص العلمي لا يمكن تغييره بعد فوات الأوان وكذلك شريك الحياة لا يمكن تعديله أو تبديله في كثير من الأحوال إلا بضريبة عالية يعجز كثيرون عن دفعها.. فالتخصص العلمي مسألة مهمة جدا فعلاوة على أنك تحتاج إلى أن تقتنع به وتحبه حتى تفهمه وتحقق الفائدة منه هو ما سيحدد نظرتك للأمور وعلاقتك بالعالم ككل، أعرف حالتين كلاهما حقق درجات عالية من العلم في مجال تخصصه وحصل على درجة الدكتوراه فيه، الأول يبدو أنه درس تخصصه وهو غير مقتنع به بينما الآخر كان عاشقا له، وبحكم شغلهما مناصب معينة تمت استضافتهما في البرنامج الذي أقدمه، كنت عندما اسأل الأول عن تخصصه الأكاديمي كان يرد بأنه يشغل المنصب الفلاني ويحاول إبعادي عن موضوع تخصصه وفي كل مرة يظهر معي في البرنامج أعيد عليه طرح السؤال ويتهرب! حتى أني طلبت من فريق الإعداد التحقق من درجته العلمية تحسبا أن تكون وهمية، وكانت المفاجئة أنه يحمل درجة عالية في تخصص علمي له علاقة بنظم المعلومات من جامعة معروفة! ولقد أصابتني الحيرة في الإجابة عن سؤال: لماذا يشعر هذا الشخص بعدم الانتماء والفخر بتخصصه العلمي الرئيس؟ حتى عرفت بطريقة غير مباشرة بأنه كان يتمنى لو أن تخصصه العلمي كان في أحد المجالات. المهم أني فهمت جيدا عمق العلاقة التي يجب أن تكون بين الفرد وتخصصه العلمي، فالمفارقة ظهرت بين الأول والثاني عندما كان يحدثني الأخير ذو المنصب المرموق بكل فخر عن تخصصه الدقيق في (علم الحشرات) وكان يتكلم معي قبل وبعد كل مقابلة أجريها معه عن هذا العلم وخفاياه وأجمل ما فيه رغم أن منصبه الذي يشغله بعيد عن هذا التخصص وأيضا لقائي التلفزيوني معه لم يكن يتعلق بهذا الموضوع. وأخيرا تبقى قضية اختيار شريك الحياة هي الأهم في هذه الدوائر الثلاث فإن لم تحرص على انتقائه بالطريقة الدقيقة سيكلفك الخطأ فيه مأزقا كبيرا لن تتخلص منه، وإن وفقت فيه ستمضي بقية حياتك حائزا على أهم مقوم للسعادة.
مشاركة :