طيلة القرون الماضية، دوّن العديد من حاملي الإعاقات أسماءهم بأحرف من ذهب بتاريخ الإنسانية بفضل إنجازات حققوها بمجالات مختلفة. فإضافة لعالم الفيزياء ستيفن هوكينغ (Stephen Hawking) الذي عانى من التصلب الجانبي الضموري والرئيس الأميركي فرانكلن روزفلت والرسامة المكسيكية فريدا كاهلو (Frida Kahlo) اللذين عانيا من شلل الأطفال، دوّن التاريخ اسم الطبيب الدنماركي المنحدر من جزر فارو نيلس ريبرغ فينسن (Niels Ryberg Finsen) حيث تحدى الأخير مرض نيمان – بيك (Niemann–Pick) وحقق إنجازات طبية مذهلة حصل على إثرها على جائزة نوبل للطب. ولد نيلس فينسن يوم 15 كانون الأول/ديسمبر 1860 بمنطقة توشهافن (Tórshavn) بجزر الفارو، التابعة للتاج الدنماركي، لعائلة مرموقة، حيث حصل والده حينها على وظيفة إدارية هامة بالمنطقة. وعقب نجاحات مدرسية أذهلت مدرسيه، انتقل نيلس فينسن لكوبنهاغن لمواصلة تعليمه في مجال الطب واجتاز بنجاح الاختبار النهائي عام 1890 فعمل لنحو 3 سنوات لصالح جامعة كوبنهاغن قبل أن يغادرها سنة 1893، مفضلا تخصيص مزيد من الوقت لأبحاثه. في حدود العام 1883، أحس نيلس فينسن بأوجاع وتعب شديد تأكدت على إثرها إصابته بمرض نيمان – بيك فعانى الأخير بسبب ذلك من سماكة تدريجية بأنسجة عدد من أعضاءه كالكبد والقلب والطحال وهو ما أدى بدوره للتأثير على دور هذه الأعضاء واعتلالها. وتدريجيا، عانى هذا العالم الدنماركي من مشاكل بالقلب وخمول واستسقاء بطني قبل أن يتحول لمقعد ويضطر لاستخدام كرسي متحرك للتنقل. على حسب ما رواه نيلس فينسن، لعب كل من المرض والمناخ بالشمال دورا هاما في التأثير على حياة ومستقبل هذا العالم حيث تحدّث الأخير عن معاناته من فقر الدم والتعب الشديد فاتجه للربط بين كل ذلك والشمس، مؤكداً على إمكانية تحسّن حالته في حال تعرضه بشكل كافٍ لأشعتها. وقد أجرى نيلس فينسن دراسات وقرأ عن طبيعة حيوانات تعرضت بشكل دائم لأشعة الشمس وتحدّث عن دور هذه الأشعة في تقوية الجسم والحفاظ على الصحة. أيضا، تحدّث نيلس فينسن عن التأثير المحفّز للأشعة الكيميائية، وهو الاسم الذي كان يطلق على الأشعة فوق البنفسجية حينها، على الجلد ونبّه في الآن نفسه من تأثيرها السلبي في حال التعرض إليها لفترات طويلة. من جهة ثانية، أكد العالم الدنماركي على الدور السلبي للأشعة الكيميائية على المصابين بمرضى الجدري، مطالبا بحمايتهم منها لتجنب ظهور آثار وندب على جلدهم كما تحدّث نيلس فينسن، الذي كان على دراية بقدرة أشعة الشمس على القضاء على أنواع من البكتيريا، عن إمكانية استخدام أشعة الضوء المركزة لعلاج مرض الذئبة الشائعة فلقب لاحقا بفضل كل هذه الأبحاث التي أجراها بأب العلاج الضوئي.نوبل للطب بفضل أبحاثه حول استخدام أشعة الضوء المركزة لعلاج عدد من الأمراض الجلدية وخاصة الذئبة الشائعة، فاز نيلس فينسن بجائزة نوبل للطب لعام 1903 وفتح الطريق نحو نوع جديد من العلاج الطبي. وأثناء توزيع الجوائز بستوكهولم يوم 10 كانون الأول/ديسمبر 1903، تواجد نيلس فينسن بمنزله واحتفل بتتويجه رفقة أصدقائه وهو جالس على كرسيه المتحرك كما أمر لاحقا بمنح مبلغ 50 ألف كرونة من القيمة المالية للجائزة لإحدى الجامعات وقدّم مبلغ 60 ألف كرونة أخرى لمستشفى صغير كان قد أسسه لعلاج مرضى القلب والكبد. يوم 24 أيلول/سبتمبر 1904، تدهورت الحالة الصحية لنيلس فينسن بسبب المرض ليفارق بذلك العالم الدنماركي الحياة عن عمر يناهز 43 سنة.
مشاركة :