مشهد يسوع الممتطي جحشًا، والداخل أورشليم، يجعلنا نفكّر بذلك القويّ، الكليّ القدرة، الّذي تواضع، وكان هدفه الوحيد الخلاص. لذا نصرخ له: هوشعنا، ونودّ استقباله في ذاتنا. نعلم أنّه سوف يكون معنا لأنّه أمين لتصميمه الخلاصيّ. في هذا العيد، عيد الشعانين، فلنلجأ إلى براءة الأطفال الّذين لهم مكانهم المميّز، ولنستقِ منها طيبةً نتوجّه بها إلى الله محيينا.عملٌ، من اجل الصواب والخلاصدخل يسوع أورشليم، وهناك أراد إظهار المعنى الحقيقيّ للديانة فبذلك، بيّن ما هو الصواب في طريقة العيش. من خلال عمله الخلاصيّ في أورشليم، علّم الإنسان أن يسجد للّه بالروح والحقّ.فمن جهة، يفتّش المؤمن الحقيقيّ عن صوابيّة طريقة عيشه، ومسلكه، على ضوء ما بيّنه يسوع في عمله الخلاصيّ. ويهتمّ المؤمن، قبل أيّ شيء، بأن يكتشف الله، عابدًا إيّاه بالروح والحقّ، متجنّبًا عيش المظاهر من أجل إرضاء الذات بنظرة حميدة من الآخرين. فالله بكلّ شيء عليم.ومن جهةٍ ثانيةٍ، يتّخذ المؤمنُ الحقيقيُّ يسوعَ مثالًا. ففي كلّ مكانٍ وفي كلّ مجالٍ يدخل إليه، يكون مفتّشًا عن إحقاق الخلاص والعدالة والتطهير. بذلك، يكون كلُّ عملٍ يقوم به عملًا خلاصيًّا. كلّ إنسان يبغي الحقَّ، ويحمل نيّة صافية في ما يعمل، ينجح في عمله، لأنّه، بذلك، يضمّ قصده إلى قصد الله، والله وليّ التوفيق.ذو سلطان خلاصيّ، ومتواضعركب يسوع، الملك، على جحشٍ، ودخل أورشليم، مدينته فعلّم بذلك أنّه ذو سلطان خلاصيّ مطلق، لذا بإمكانه أن يتواضع ويظلّ سلطانًا، من أجل الخلاص لا شكّ أنّ في ذلك أمثولةً لكلّ إنسان يفتّش عن الحقّ. فالقويّ في ذاته، يريد الخير والخلاص للآخرين إنّه ذو سلطان وسلطانه يزداد رسوخًا ما ازداد هو في محبّته الإنسان وتواضعه وتواضعه هذا يصبح من مكوّنات وجودهعلى وجه الأرض، أمثالٌ كثيرةٌ من الّذين هم مستعدّون لكلّ شيء من أجل حفنة سلطان تُعطى لهم، إن بواسطة المال أو بواسطة المركز الإجتماعيّ. فهؤلاء لا يفتّشون عن الخير، بل عن راحةٍ يظنّونها دائمة، من خلال سلطانهم. قد يلهون بما لهم من سلطان ويعبثون بحياة الآخرين، بدون حقّ وعدالة، فيغيب عن بالهم أنّ الله هو السيّد المطلق، وأنّ سلطانهم إلى زوال، مهما عَظُمَ، وأنّه يشتّتهم بأفكار قلوبهم. من المؤسف أنّ كثيرين لا يتيقّنون ذلك إلاّ بعد حصوله، فلا يأبهون للخير والعدالة والحقّ، في أيّام حيازتهم على المال أو السلطة.ولكنّ المؤمن يتجنّب النزعة غير الجيّدة الموجودة عند البعض والمتمثّلة بانتقاد الحاكم أو الغنيّ، فقط لأنّه كذلك الأجدر بكلّ مؤمن أن يحبّ الجميع، ويحكم على الأمور بكلّ عين نيّرة، بناءً على مقياس المحبّة والخير والحقّ، متيّقنًا أنّ الله وحده يعلم خفايا القلوب.المؤمن هو من يتذكّر دومًا أنّ الإنسان لا يكون قويًّا بدون القويّ الّذي هو الله.نحن وأورشليم، وهوشعنادخل يسوع أورشليم، مدينته، ليطهّرها ويجعلها مكان العبادة الحقيقيّة. وهو علّم السامريّة أنّ العبادة الحقيقيّة للّه تسمو فوق المكان. وبذلك، بيّن لها، ولكلّ إنسان، أنّ كلّ واحدٍ بإمكانه أن يكون المدينة التي تستقبل يسوع، وذلك، إذا عبد الله بالروح والحقّ، إذا جعل داخله طاهرًا ونقيًا، منقًّى من الغشّ والسوء والكذب. بذلك، نصبح نحن مثل أورشليم، مدينة الملك، المدينة المطهّرة المنقّاة لاستقبال ملكها.أمام هذا الملك العظيم، يسوع، نصرخ: “هوشعنا”، أي “خلّصنا”، ونعلم أنّه قدير على ذلك، فيكون صراخنا في الوقت عينه تسبيحًا لقدرته الخلاصيّة التي يبيّنها للإنسان.الأطفالفي عيد الشعانين، فرحةٌ فريدةٌ للأطفال وعلى هذه الفرحة أن تكون فرحة الكبار بالأطفال فصراخهم البريء غير المتيقّن بما يسمّى إزعاجًا في بيت العبادة، أي في الكنيسة، يصبح ممزوجًا بليتورجيّا التسبيح للّه، فيفرح الكبار بصراخهم ولا ينزعجوا ويفرح الكبار أيضًا لأنّهم يلجأون، بشعورهم، إلى براءة هؤلاء الأطفال، يريدون أن يستقوا منها طيبةً بها يتوجّهون إلى يسوع الّذي يستقبل الأطفال ويقول إنّ لمثل هؤلاء ملكوت السماوات
مشاركة :