قبل نحو ستين عاماً ذهبت مع والدتي رحمها الله لزيارة إحدى معارفنا في المستشفى الأميري القديم، حيث كانت وابنها يتلقيان العلاج من مرض السل الذي تسببه البكتريا، وكان شائعاً في ذلك الزمان، وبعد فترة توفيت دانة رحمها الله وعاش ابنها يوسف، وتطورت الأبحاث عن مرض السل، وأصبح علاجه متوافراً، وكانت هذه الحادثة هي أول لقاء لي مع مريض بمرض معدٍ، وكان اللقاء الثاني في الإسكندرية في عام 1971 حيث أصيب بهذا المرض أحد زملائنا الكويتيين في جامعة الإسكندرية، وكان يتلقى العلاج في الشقة، ولأننا كنا عدداً من الطلبة نسكن في العمارة نفسها، فقد كنا نتعشى معاً يومياً، وفي رمضان نضع فطورنا على الطاولة نفسها، فهذا المرض لم يعد ذلك المرض المخيف لأن الله هدى البشرية للعثور على الدواء المناسب، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء"، وهذا يدعونا للتفاؤل باكتشاف علاج لكورونا عاجلاً أو آجلاً. وفي كلية الصيدلة في جامعة الإسكندرية كان اللقاء الثالث أثناء دراسة علم الأحياء الدقيقة (microbiology) وكان من أصعب المقررات، حيث عرفنا الكثير عن البكتيريا والفيروسات والأمراض التي تسببها، وفي هذا المقرر تعلمنا أن الفيروس بسبب دقة خلقه فإنه يتطور أحيانا بطفرة (mutation)، فيتحول إلى فيروس جديد، وقد يكون أكثر قوة أو مناعة، وكما يظهر حتى الآن فإن فيروس كورونا الجديد قد حقق هذه الطفرة من شكله القديم، ولكن لا أحد يجزم إذا كانت هذه الطفرة بسبب تعاطي الصينيين مع الخفافيش والثعابين (handling)، أو بسبب تسرب تم في أحد مختبرات الفيروسات، ومثل هذا السؤال طرح قبل سنوات عن سبب طفرة فيروس الإيدز من فيروس يصيب القرود إلى فيروس يصيب الإنسان ويدمر مناعته. المهم أن طفرة فيروس كورونا أنتجت فيروساً أسرع انتشاراً وأكثر خطورة، وطفرة فيروس الإيدز أنتجت فيروساً يدمر مناعة الإنسان، وصدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي أخبر عن نشأة أمراض جديدة لم تكن موجودة: "إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا". (الأحاديث الصحيحة). وأثناء دراسة الماجستير في غلاسكو تبين أن أحد زملائنا العرب في اتحاد الطلبة المسلمين الذي كنت أتولى منصب أمانة السر فيه مصاب بمرض السل، فذهبنا لزيارته في مصح جميل وسط غابة من الأشجار والثلوج فلاحظت أن الأسرّة مليئة بالمرضى الإنكليز والأسكتلنديين، فسألت الطبيب الذي كان يزور الجناح عن سبب كثرتهم، لأنه حسب دراستنا فإن هذا المرض يكثر في الدول الفقيرة أو بسبب نقص التغذية والمناعة، فقال إن شرب الخمر، وهو للأسف شائع هناك، يسبب ضعف المناعة خاصة مع كبار السن، فسبحان الله صحيح أنها أم الكبائر تدمر العقل والمناعة أيضاً. وفي مؤتمر علمي صيدلاني عالمي حضرته أثناء فترة حل مجلس الأمة (1985) قدم أحد المحاضرين ورقة علمية منشورة عن وسائل انتقال فيروس الإيدز، فنالت إعجابي الشديد إلى درجة أني ترجمتها ونشرتها في إحدى الصحف المحلية، لأنها شرحت أهم وسائل انتقال هذا الفيروس، حيث تبين أنها كلها من المحرمات في الشريعة الإسلامية، وهي الشيوع الجنسي مع المصابين، وتبادل الإبر التي تستخدم في المخدرات، والجماع وقت الحيض، وفعل قوم لوط الذي يؤدي إلى تشققات في القولون والمستقيم وهو لم يعد لهذا الغرض! وهكذا يتفوق الإسلام في مجال العلم على العلمانية التي أباحت تلك الموبقات. وأخيراً ذكرني ارتداء الكمام في أوروبا والعالم هذه الأيام بسبب وباء كورونا بأزمة النقاب التي أثيرت في مجلس 1992، حيث تم منع بعض الطالبات من الدراسة بسبب ارتدائهن النقاب، وقيل وقتها إن لبس النقاب يتعارض مع العمل في المختبرات بسبب خطورة اشتعاله أو تعارضه مع الأدوات المخبرية، وعارضنا نحن الكتلة الإسلامية هذا القرار بشدة، وبينت أنا وقتها أن النقاب لا يتعارض مع العمل في المختبر، خصوصاً أني قضيت نحو خمسة عشر عاماً من العمل في المختبرات، وكنا نرتدي (الماسك)، أي الكمام، خصوصاً عندما نتعامل مع الغازات والسوائل القابلة للاشتعال، ويكفي أن يكون النقاب مثل الكمام الذي نرتديه في المختبر مضموما للوجه لا متدليا، وتقدم الأخ حمد الجوعان، رحمه الله، ليصوغ القانون الذي نص على عدم جواز منع الطالبات المرتديات النقاب من الدراسة، ويوافق عليه مجلس الأمة بحمد الله. وها هو فيروس كورونا اليوم يغصب الناس على ارتداء الكمام أو النقاب غصباً في كل مكان في أوروبا والعالم بأسره، وتنقل لنا وسائل الإعلام يومياً صوراً من المستشفيات والمختبرات لأطباء وممرضات وعلماء يرتدون الكمام واللباس الذي يغطي الجسم كله والعينين أيضا بنظارات سميكة، وليس الوجه فقط في المستشفيات والمختبرات مكذبين الادعاء بأن النقاب أو غطاء الوجه يمنع العمل فيها. قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ". (الأنعام).
مشاركة :