قال مصدر سياسي لبناني إن دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون لاجتماع يُعقد اليوم في بعبدا يشارك فيه سفراء «مجموعة دول أصدقاء لبنان» وممثلون عن الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في حضور رئيس الحكومة حسان دياب وعدد لا بأس به من الوزراء والمستشارين، تأتي في سياق إطلاع المجتمع الدولي عبر ممثليه لدى لبنان على آخر التطورات المالية والاقتصادية المستجدة في ضوء التدابير والإجراءات الوقائية والصحية التي تقوم بها الحكومة لمكافحة انتشار وباء فيروس «كورونا» ومحاصرته، إضافة إلى الأعباء المالية التي يتحمّلها لبنان في استضافته أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري مع أنه يعاني من ضائقة مالية غير مسبوقة. ولفت المصدر السياسي إلى أن الاجتماع الدولي - اللبناني وإن كان يأتي في ظل تصاعد الخلافات في الداخل والتي ليست محصورة بين المعارضة والموالاة الداعمة لحكومة دياب؛ وإنما تجاوزتهما إلى أهل «البيت الواحد» الذي يتشكّل من «قوى 8 آذار» و«التيار الوطني الحر»، فإنه يشكل مناسبة معنوية تتيح للبنان مكاشفة المجتمع الدولي بوضعيه الاقتصادي والمالي المتأزمين من دون أن يترتب عليه أي مفاعيل تفتح الباب أمام توفير الدعم له، باستثناء ما تعهد به أخيراً البنك الدولي في إطار تقديم مساعدات يُستفاد منها لمكافحة وباء «كورونا». وأكد المصدر نفسه لـ«الشرق الأوسط» أن الاجتماع الدولي - اللبناني يشكل للبنان إطلالة إعلامية - معنوية تتيح للحكم والحكومة تمرير رسالة إلى الداخل مفادها بأن الارتباك الحاصل بين القوى السياسية لن يمنعهما من الالتفات إلى أصدقائه في الخارج. ورأى أن الدعوة لهذا الاجتماع جاءت عفوية، وقال إن الشكوى اللبنانية من الأعباء التي يتحمّلها لبنان بسبب استضافته النازحين السوريين ستكون حاضرة بامتياز، خصوصاً أن الدعم الدولي أخذ يتراجع بشكل ملحوظ، وهذا ما أدى إلى ارتفاع منسوب العجز في الموازنة في ظل الانكماش الاقتصادي الذي يحاصر لبنان. وعدّ أن الشكوى اللبنانية في هذا الخصوص لا تقتصر على تراجع الدعم المادي للنازحين، وإنما تشمل أيضاً غياب المبادرات الدولية التي من شأنها أن تُسهم في تنظيم عودتهم إلى بلداتهم وقراهم في سوريا. وقال إن المبادرة الروسية لإعادتهم كانت سُحبت من التداول بطلب من موسكو بذريعة عدم وجود الدعم المادي من المجتمع الدولي الذي من دونه لا يمكن أن تتأمّن عودتهم. وفي هذا السياق، سأل المصدر السياسي عما إذا كان ملف النازحين السوريين سيؤدي إلى قيام سجال بين الرئيس ميشال عون وأطراف دولية مشاركة في اللقاء وتحديداً سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في بيروت دوروثي شيا في حال أن صاحب الدعوة بادر إلى غمز واشنطن من قناة، محمّلاً إياها ربط عودتهم بالحل السياسي في سوريا. وأكد أن مجرد حصول سجال حول عودة النازحين يمكن أن يستدرج من يشارك في اللقاء إلى السؤال عن موقف الحكومة حيال القرار الذي اتخذه أخيراً النظام في سوريا بإقفال حدوده مع الدول المجاورة لمنع انتشار وباء «كورونا» الذي لا يزال من وجهة نظر دمشق تحت السيطرة، خصوصاً أن مثل هذا القرار يمنع من يود من النازحين من العودة إلى سوريا، وهذا ما يتعارض مع شرعة حقوق الإنسان والدستور السوري، مع الإشارة إلى غياب أي موقف رسمي لبناني حيال هذه الخطوة. وقال المصدر نفسه إنه لا مصلحة للحكم والحكومة بأن يتطرقا إلى الأزمة الاقتصادية والمالية من زاوية رمي المسؤولية على السياسات التي اتُّبعت في السابق، ورأى أن عدداً من سفراء الدول الأجنبية وممثلي المنظمات الدولية كانوا أخذوا علماً من أركان الدولة على المستويات كافة، بأنهم ضحية السياسات المالية السابقة، وبالتالي لم يعد من مبرر لتكرارها بدلاً من أن تتقدّم الحكومة نفسها وكما وعدت بأنها جاءت لإنقاذ لبنان وانتشاله من أزماته. وبكلام آخر؛ فإن الإصرار - كما يقول المصدر السياسي - على تحميل المسؤولية للحكومات السابقة «لن يُصرف دولياً، لأن المجتمع الدولي ينتظر من الحكومة أن تتقدم ببرنامجها الإنقاذي مدعوماً برؤية إصلاحية مالية وإدارية، خصوصاً أن ما يهم مجموعة أصدقاء لبنان الحفاظ على استقراره وتوفير الدعم له لوقف انهياره المالي والاقتصادي، لكن عليه أن يبرهن قدرته على مساعدة نفسه شرطاً لالتفاته إلى المجتمع الدولي طلباً للمساعدة». وسأل المصدر عن رد فعل الحكومة ومعها رئيس الجمهورية «في حال أن المدعوين بادروا إلى توجيه مجموعة من الأسئلة لا تتعلق بارتياحهم للتدابير المتّخذة لمكافحة هذا الوباء القاتل، وإنما تتناول حصراً الأسباب التي لا تزال تؤخر إصدار التعيينات المالية والمصرفية وإعادة تأهيل قطاع الكهرباء بما يضمن خفض العجز في الموازنة المترتّب بالدرجة الأولى على استئجار البواخر لتوليد الطاقة، إضافة إلى الموانع التي لا تزال تعوق طلب مساعدة صندوق النقد الدولي الذي سبق لأكثر من مسؤول فيه أن أكد استعداده للمساعدة لكنه لم يتلقّ أي طلب من الحكومة اللبنانية، ناهيك بأن المدعوين قد يضطرون للوقوف على الأسباب الكامنة وراء عدم تشريع الـ(كابيتال كونترول) الخاص بالتحويلات والسحوبات للمودعين بالعملات الصعبة». لذلك؛ فإن هناك ضرورة - كما يقول المصدر الوزاري - لعقد اللقاء الدولي - اللبناني «شرط ألا ينتهي إلى تزويد الحكومة بجرعة من المعنويات التي سرعان ما ينتهي مفعولها، لأن تطويره وتحويله إلى مؤسسة جامعة يقع على عاتق لبنان للإسراع في إنجاز خطة إنقاذية متكاملة يمكن تسويقها لدى المجتمع الدولي، وإلا يكون قد حرم نفسه الإفادة من الدعم الدولي رغم أن اهتمام الأخير ينصب حالياً على دحر العدو القاتل للعالم أجمع». وعليه؛ فإن الكرة الآن في مرمى الحكومة، فهل ستغرق في متاهات الخلافات بين الكبار الداعمين لها؛ أم إنها ستلتقط أنفاسها طلباً للمساعدة التي لم تعد في متناول اليد كما كانت قبل انصراف العالم وانشغاله بالتصدي لـ«كورونا»؟
مشاركة :