«الذوق الأدبي» وصفة سحرية لمتعة «القراءة»

  • 4/7/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تحول كتاب «الذوق الأدبي: كيف يتكون؟» لأرنولد بينيت، الذي اعتبر عند صدوره للمرة الأولى بمثابة رسالة إرشادية للاستمتاع بالأدب الكلاسيكي، إلى عمل خالد هو الآخر، تتجدد قيمته مع مرور السنين، فالكتاب الذي نشر للمرة الأولى 1909، أي قبل أكثر من مائة عام، طبع مرات عدة في لغته الإنجليزية وحقق مبيعات واسعة. وصدرت طبعة جديدة من الكتاب مترجمة إلى اللغة العربية عن دار تكوين 2018، وترجمتها دلال الرمضان، وفي سنة 1958 كانت دار نهضة مصر، نشرت ترجمة للكتاب بوساطة علي محمد الجندي، وفي ثلاثينيات القرن الماضي كان الناقد السوداني معاوية نور قد اتهم الكاتب المصري إبراهيم المازني بسرقة أجزاء منه في كتابه «صندوق الدنيا» (نشر1929)، وتحديداً الفصل الموسوم بـ «بين كتبي: امتحان النفس». أرنولد بينيت هو روائي وناقد وصحفي إنجليزي عاش في الفترة (1867 - 1931)، وكان من أشهر أدباء عصره، وقد أنجز هذا الكتاب في إطار ما يعرف بـ (كتب المساعدة الذاتية) التي تهدف إلى توجيه القراء (في إنجلترا خصوصاً) إلى الطريقة المثلى لاقتناء وتذوق كلاسيكيات الأدب، ويلاحظ من يقرأ الكتاب أنه يشبه روشتة علاجية كتبها طبيب نفسي وأرسلها إلى قارئ يعاني «رهاب» القراءة. في حجم صغير (نحو 120 صفحة) جاء الكتاب، وهو مفصل في 14 مبحثاً. كتب بينيت في أولى الصفحات عن «الهدف» من قراءة وتذوق الأعمال الإبداعية، وقال إن تذوق المرء الأدب يجب ألا يأتي من باب التسلية وملء الفراغ والوجاهة الاجتماعية، بل كحاجة ملحة لا غنى عنها للعيش «فالهدف الأساسي للأدب هو تغيير علاقة الفرد بالعالم بشكل كامل». وتحت عنوان «حالتك الخاصة» يتكلم بينيت عن الحاجز النفسي لدى القراء الذين لا ينجذبون إلى قراءة كلاسيكيات الأدب، كونها تبدو لهم منقطعة الصلة بقضايا عصرهم، لكنهم يتصنعون الاهتمام بها ويشترونها ويضعونها في مكتباتهم. علة هؤلاء يرجعها بينيت إلى «العجلة»، و«الكسل»، وعدم القدرة على الالتزام بخطط للقراءة والتعمق في الكتب. ويشير المؤلف إلى أن الناس في معظمهم «يهتمون بالأدب لكن كما يهتمون بالطائرات والدستور.. لا يهملونه تماماً ولكنهم حياديون تجاهه، فاهتمامهم بالأدب ضعيف وسطحي، وإن حدث وكان هذا الاهتمام قوياً فهو متقطع». ويذكر المؤلف أن الأعمال الروائية التي تحظى بشعبية في فترة زمنية ما سرعان ما ينساها الناس ولا يفكرون في إعادة قراءتها ولو فعلوا لما استمتعوا بها، ليس لأن تلك الأعمال أصبحت أسوأ أو هم تطوروا في ذائقته بل «لأنهم لم يدربوا أنفسهم على الاعتماد على ذوقهم كوسيلة للاستمتاع الدائم، فهم ببساطة لا يدركون كنه الأشياء التي تجلب لهم السعادة من يوم لآخر». ولعل الجزء المثير في الكتاب هو الذي شرح فيه المؤلف السبب وراء ذيوع الكلاسيكيات الأدبية؟ يقول «إن شهرة كتاب الكلاسيكيات صنعتها قلة مولعة بأعمال هؤلاء المؤلفين». هذه القلة حرصت بشكل دائم على تذكير (وإعادة تذكير) الناس بأسماء مؤلفي هذه الكتب حتى رسخت وازدادت رسوخاً في وعيهم ولا وعيهم. وثمة إجابة واحدة وراء التأثير الواسع والممتد لهذه «الأقلية»، وهي «أنهم وجدوا في الأدب حماسة دائمة وقوية تجعلهم يستمتعون به.. كما أن تواتر وتكرار هذه المتعة يبقي اهتمامهم بالأدب حياً، فهم حريصون على إجراء الدراسات الجديدة والتدريب الدائم.. فذوق هؤلاء يصبح موثوقاً أكثر كلما طالت مدة خبرتهم». ويقدم بنيت سلسلة من الإجراءات لمساعدة القارئ في كيفية تشكيل ذوقه الأدبي: من أين وكيف يبدأ وكيف يقرأ عملاً كلاسيكياً، كما يتطرق إلى خصائص الأسلوب الكتابي، والصراع مع المؤلف، ومنهجية القراءة، إلخ. ويشير المؤلف إلى أنه ضد قوائم القراءة التي تقترحها المؤسسات الثقافية فهي تنتخب ما تريده الجماهير لا النخبة، وبعد أن يقترح مجموعة متنوعة من المؤلفات الكلاسيكية لإنشاء مكتبة منزلية ينصح بالتدرج في القراءة من القريب زمناً إلى البعيد، فالأبعد. وفي نهاية الكتاب، يشدد بنيت على ضرورة أن يحدد القارئ غاية محددة من قراءته، وأن يتوقف لجرد ما قرأه، من حين لآخر، ليعرف مقدار استفادته أو ما حصده من الأفكار والرؤى والعواطف، وعليه ألا يقرأ للتسلية أو لملء أوقات الفراغ بل لكي يجسد ما قرأه في حياته، وفي منظوره للأشياء من حوله وفي اختباره التجارب المعيشية.

مشاركة :