فتح القضاء المصري الباب على مصراعيه أمام النساء المتزوجات عرفيا لخلع أزواجهن، بغض النظر عن الطريقة والأسباب التي دفعتهن إلى اللجوء لهذا النوع من الزواج، حيث أعطاها الحق في إنهاء العلاقة الزوجية متى أرادت، إذا شعرت باستحالة الحياة مع شريك حياتها. القاهرة - أصدرت محكمة أسرية بالقاهرة قبل أيام حكما فريدا من نوعه، بخلع امرأة من زوجها على عقد زواج عرفي، بعد أن وعدها بالزواج رسميا عندما تتحسن ظروفه المادية، إلا أنه رفض تنفيذ وعده، وفوجئت بأنه خدعها وقام بخطبة فتاة أخرى، ما اعتبرته خيانة تقتضي الخُلع. ولم يكن مألوفا داخل المجتمع المصري أن تلجأ امرأة متزوجة عرفيا إلى القضاء لتطليقها، بحكم أن هذا النوع من الزواج سري ولا أحد يعرف به، حتى الفئات القريبة من الطرفين (الرجل والمرأة)، كما أن المحاكم نفسها لم تُفصح من قبل عن وجود دعاوى من هذا النوع. ويعني منح القضاء للمتزوجة عرفيا الحق في خلع زوجها، أن الآلاف من السيدات من ضحايا العلاقات الزوجية السرية سيجدن مظلة قانونية تحميهن من بطش الرجال والتلاعب بهن بالتنصل من الزواج كليّا، أو رفض منحهن الحد الأدنى من حقوقهن الشرعية، مثل توثيق عقد الزواج، أو الحصول على النصيب القانوني في الميراث أو حتى الاعتراف بالأبناء. وأكد (أ. ف)، وهو قاض بإحدى محاكم الأسرة في حديث لـ”العرب”، شريطة عدم الإفصاح عن هويته، أن زيادة أزمات الزواج العرفي دفعت القضاء لقبول نظر دعاوى الخُلع في مثل هذه الزيجات، لكن الأمر في مجمله يتوقف على مدى شجاعة المرأة في الإعلان عن أنها كانت متزوجة في السر. المرأة التي تزوجت عرفيا أصبحت لها حقوق مثل التي تزوجت بشكل رسمي، ما يساهم في تغيير نظرة المجتمع لهؤلاء النساء ويعكس ذلك، أن ندرة حالات الخلع في الزواج العرفي ترتبط بأن الكثير من النساء يخشين النظرة الدونية لهن، بحكم أن بعض رجال الدين نجحوا في تثقيف الناس على أن هذه العلاقات محرمة، بالتالي تشعر أيّ سيدة بالهزيمة قبل أن تُقدم على خطوة من شأنها خلع أو تحرير نفسها من إذلال زوجها لها. واعتبرت مؤسسة الأزهر في شهر يونيو الماضي، أن الزواج العرفي في حكم الزنا، ورأت أن الإصرار على هذا الوصف في أيّ قانون يقي المجتمع من سوءات هذه الخطيئة، ويجبر كل طرف على التفكير قبل الزواج بشكل سري، وإجباره على اللجوء للزواج التقليدي. وتعاني الكثير من المتزوجات عرفيّا في مصر من جحيم الحياة مع الرجال، فكل منهن بلا عقد موثق في السجلات الرسمية يثبت الزيجة، لكن ميزة الحكم الأخير أن القضاء أقرّ سابقة بإنصاف المرأة ولو كانت تمتلك الحد الأدنى من الأدلة التي تُثبت العلاقة الزوجية. وحسب وقائع كثيرة في مصر، فإن أغلب الرجال يتنصلون من الزيجة العرفية بذريعة أن المرأة لا تمتلك ما يثبت وجود العلاقة، لكن المبدأ القضائي الجديد أقر بإمكانية الخُلع في حالة وجود شهود إثبات، أو مخاطبات بين الطرفين ولو كانت رسائل إلكترونية. الأزهر يعتبر الزواج العرفي زنا الأزهر يعتبر الزواج العرفي زنا ويأخذ الزواج العرفي في مصر أشكالا متعددة، مثل الموجود بين الشباب والفتيات في الجامعات، أو الذي تقبل به بعض النساء حتى لا ينقطع عنها معاش والدها أو زوجها الراحل، أو لسبب آخر يرتبط بأنها حاضنة لأطفال وتخشى الزواج الرسمي مرة أخرى حتى لا تسقط عنها الحضانة. ويظل السبب الأهم في انتشار الزيجات العرفية أن الكثير من الأسر في المناطق الريفية والشعبية والقبلية، تزوّج فتياتها بهذه الطريقة لأنهن لم يبلغن السن القانونية، ويكون ذلك بشكل ودي بين العائلتين، وهناك الكثير من الوقائع المنظورة أمام المحاكم بشأن تنصل الزوج من إثبات نسب أولاده. وقال محمد سيد أحمد، وهو محام متخصص في الأحوال الشخصية، إن فتح الباب أمام المتزوجات عرفيا لفسخ العلاقة تطليقا بالخلع يعود على نساء هذه الزيجات بمكاسب كثيرة عانين لسنوات طويلة كي يحصلن على الحد الأدنى منها، على رأسها أن وجود حكم بالخلع يعني ضمنيا إثبات صحة النسب للأطفال. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تدخل القضاء لإنهاء علاقة عرفية بالخلع يعني أن الزواج بين الطرفين كان صحيحا ولا مجال لتنصل الرجل من العلاقة أو التبرؤ مما نتج عنها، وهو ما ينقذ الآلاف من الأطفال الذين تلجأ أمهاتهم إلى المحاكم لنسبهم إلى آبائهم وقد تستمر القضايا سنوات دون فصل. وتظل الميزة الأهم أن المرأة التي تزوجت عرفيا لأي سبب أصبحت لها حقوق مثل التي تزوجت بشكل رسمي، ما يساهم في تغيير نظرة المجتمع لهؤلاء النساء بعد عقود طويلة من محاولة البحث عن مخرج ينقذهن من جحيم العلاقة الزوجية التي كان الرجل ينهيها وقتما وكيفما شاء. وأوضح سيد أحمد أن مكاسب خلع المرأة لزوجها العرفي لا تتوقف على الانتصار لشرعية الأبناء، بل تمتد إليها شخصيا، حيث تحصل على قائمة المنقولات الزوجية، وإذا كانت حاضنة فمن حقها الحصول على حكم بنفقة الأطفال والتمكين من مسكن الحضانة مثل بيت الزوجية أو الحصول على مقابل مادي شهري للسكن إذا أثبتت أنها دون منزل. وتصب هذه المكتسبات بشكل أكبر في صالح الفتيات اللاتي تزوجن وهن قاصرات، لأن التدخلات الودية بين العائلتين تفشل غالبا في إنهاء العلاقة الزوجية بالتراضي، وأحيانا تظل الفتاة في حكم المتزوجة لشهور طويلة لأن زوجها يرفض تطليقها أو توثيق العقد نكاية فيها، حتى جاء إقرار الطلاق بالخُلع في الزواج العرفي ليفتح باب الرحمة لهؤلاء الضحايا. وترتبط المعضلة الأكبر بأن عائلة الفتاة المتزوجة عرفيا أو القاصر، ترفض اللجوء إلى القضاء لإنهاء العلاقة الزوجية، لأن الخُلع من الأمور المعيبة عند الأسر المحافظة، ما قد يجعل المرأة أسيرة لأسرتها وزوجها في آن واحد، بالتالي فإن تطليقها بحكم قضائي يتطلب أن تكون مستقلة في اتخاذ القرار حتى تحرر نفسها وتحفظ حقوق أبنائها، بغض النظر عن خسائر هذه الخطوة الجريئة.
مشاركة :